الخميس، 31 مايو 2012


5/18......اليوم العالمي لعمر الخيام
الخيام ورباعياته التي شغلت الدنيا

  يعدّ عمر الخيام (439-526هـ) أشهر شعراء الفارسية على الإطلاق؛ فقد نال شهرة عالمية لا يدانيه فيها أي شاعر فارسي آخر، على الرغم من قلة شعره؛ فالفردوسي صاحب الشاهنامة المشهورة التي يزيد عدد أبياتها على خمسين ألف بيت، وجلال الدين الرومي الذي يزيد شعره على سبعين ألف بيت، وحافظ الشيرزاي المعروف بغزلياته، وسعدي الشيرازي المشهور بالبستان والكلستان لا يتمتع أي منهم بالشهرة التي حظي بها الخيام ؛ لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هو سرّ هذه الشهرة، ولماذا اشتهر الخيام دون غيره من الشعراء الفرس الآخرين؟
       إن سرّ شهرة الخيام وعظمته مرهونة بالحكمة والفلسفة الكامنة في رباعياته التي عبّر من خلالها عن قلق البشرية من الحياة والخوف من الموت، وعزف على الوتر الذي شغل بال الإنسانية على مرّ التاريخ، ولا شك أن عبقرية الخيام تكمن في هذه القضية، فهو يعرف الأفكار التي يريد تناولها بشكل حاذق، ويطرحها بعبقرية فذة، ونبوغ نادر: إنها فلسفة الحياة والموت، وهو الموضوع  الذي شغل وما زال بال البشرية جمعاء، والوتر الحساس الذي عزف عليه الخيام باتقان ودقة لاقت القبول والشهرة العالمية. 

         حقيقة إن فكرة الموت والحياة هي التي طغت على الخيام وشغلته ليل نهار، وجعلته يعاني من الاضطراب والحيرة والقلق من الكون والوجود، فلماذا هذا الاهتمام والانشغال بقضية الموت وفلسفته، لعل الجواب يكمن في مسقط رأسه مدينة نيسابور التي كانت مدينة تكثر فيها الزلال، وقد خربت أكثر من عشرين مرة، ولعل الخيام كان يرأى مناظر التخريب والدمار وموت الأحبة والأعزاء بأم عينيه، وربما فجعه الموت ببعض المقربين إليه؛ مما جعله يركز على قضية الموت والحياة، ومن ثمّ الجانب الآخر لها ألا وهو ما دام أن مصير الكون والأحياء الموت، فالحياة عبثية ولا طائل منها إذن... وهذا ما دعاه إلى طرح فلسفة الوجود والعدم وفلسفة الحياة والموت، وهذه المواضيع تهم البشرية قاطبة على مرّ العصور والأزمان، ولذلك شغفت بها وأقبلت عليها، وهذه الأفكار تحتاج إلى قالب وشكل شعري يناسبها، لذلك اختار قالب الرباعي المناسب لمثل هذه الأفكار.
   
    إنّ شخصية عمر الخيام شخصية جدلية يكتفها كثير من الغموض والإبهام؛ فقد توفي هذا الشاعر المشهور الذي طبقت شهرته الشرق والغرب، والذي عاش في الدولة السلجوقية ووضع التقويم الجلالي، ولم يكن أحد يعرف بأنه شاعر، على الرغم من أنه كان منجماً ورياضياً وفلكياً وفيلسوفاً مشهوراً، في حين اكتشف أول رباعي له بعد موته بمئة سنة، كما اكتشفت أول مجموعة تحتوي على قائمة من رباعياته بعد ثلاثة قرون من وفاته.
              يرجع الفضل في اكتشاف شاعرية الخيام ورباعياته داخل إيران إلى نجم الدين الرازي صاحب كتاب "مرصاد العباد" الذي كان صوفياً متشدداً، والذي كان أول من ذكر رباعيين للخيام، وعده فيلسوفاً بائساً ودهرياً وقد ألف كتابه سنة 620 للهجرة.

     لقد اختلف في شخصية الخيام حدّ النقيض؛ فمنهم من عدّه فاسقاً زنديقاً مادياً ملحداً وعبثياً وغارقاً في كأسه حدّ الثمالة، ومنهم من عدّه صوفياً وعارفاً وولياً من أولياء الله كابن الفارض، والحقيقة أن الخيام لم يكن لا هذا ولا ذاك؛ فقد كان فيلسوفاً حراً يطلق لخياله لعنان، وسبب هذا الاختلاف يعود إلى رجال الدين في إيران الذين حاولوا إلباس الخيام ثوب الصوفية كما فعل العلامة محمد تقي جعفري في كتابه "تحليل شخصيت خيام" الذي فسّر الرباعيات تفسيراً صوفياً، وسار على هذا الدرب آخرون منهم حسين إلهي قمشي، وهذا ما أوجد ردّة فعل عند آخرين من أمثال صادق هدايت الذي ذهب إلى أن الخيام مادي ودهري في كتابه "ترانه هاى خيام" (أناشيد الخيام)، الذي عدّ فيه الرباعيات "ثورة الروح الآرية على المعتقدات السامية"، وقد وصلت هذه الاختلافات إلى المستشرقين الذي انقسموا إلى فريقين أيضاً، كما أن الاختلاف في شخصية الخيام دعت بعض الإيرانيين إلى القول بوجود شخصيتين باسم الخيام، كما فعل محيط الطباطبائي في كتابه "خيام يا خيامي" من أجل حلّ لغز هذه الشخصية، ولو أنهم قالوا بأن الخيام كان فيلسوفاً حراً لكفاهم هذا.

         لقد اشتهر الخيام في الغرب بداية عن طريق ادوارد فيتزجرالد ثم عادت شهرته إلى إيران، واليوم يتمنى الإيرانيون لو أن هنالك ألف فيتزجرالد حتى يعملوا على التعريف بالأدب الفارسي وأعلامه؛ صحيح أن شهرة الخيام العالمية ترجع إلى هذا المستشرق، بيد أن فيتزجرالد أساء إلى الخيام من حيث لا يدري؛ فقد ركّز على الجانب المادي واللذة والشهوة والمتعة واغتنام الفرصة حتى أصبحت الحانات تسمى باسم الخيام، كما أن ترجمة ادوارد فيتزجرالد يعتورها كثير من النقص والدقة على الرغم من جماليتها، خاصة أنه كان يترجم الرباعيتين والثلاثة في رباعي واحد، بعد أن يدغمها مع بعضها البعض، ومن الجدير بالذكر أن هنالك مستشرقين سبقوا فيتزجرالد في الإشارة إلى الخيام منهم: توماس هيد الانجليزي، وفون همر النمساوي، ونيكولاس الفرنسي، إلا أن الفضل في شهرة الخيام تعود إلى فيتزجرالد وترجمته الشعرية الرائعة على الرغم من أنها لم تكن ترجمة دقيقة.
         تعدّ رباعيات الخيام إحدى المشكلات التي يواجهها الأدب الفارسي المعاصر، والسبب في ذلك يرجع إلى أن الخيام لم يترك لنا مجموعة شعرية بخط يده، والثاني هنالك عدد كبير من الرباعيات المنسوبة للخيام وصلت إلى الآلاف؛ وقد عمل محمد علي فروغي وقاسم غني في كتاب "رباعيات خيام" على محاولة استخراج الرباعيات الأصيلة من الرباعيات المنسوبة عن طريق العودة إلى أقدم المصادر التي ذكرت بعض هذه الرباعيات، فوصل العدد إلى 66 رباعية اتخذ منها معياراً عرض عليه الرباعيات المنسوبة، فما توافق معها جعله للخيام وما اختلف عنها وضعه جانبا، فوصل العدد إلى 178 رباعية يمكن الاطمئنان إلى أنها للخيام، ولا يمكن الجزم بذلك مئة بالمئة كما قال محمد علي فروغي نفسه.
     تُرجمت رباعيات الخيام إلى أغلب لغات العالم ووصلت ترجماتها العربية إلى ما يزيد على ثمانين ترجمة، كانت ترجمة شاعر الأردن الكبير مصطفى وهبي التل المشهور بـ "عرار" باكورتها وأول ترجمة عربية لها عن لغتها الأم ؛ فقد عمل على ترجمة رباعيات الخيام عام 1922 عن اللغة الفارسية مباشرة، إذ صدر في هذه السنة كتاب" رباعيات عمر خيام" لرضا توفيق وحسين دانش في اسطنبول، ووصل إلى عرار فشرع بترجمته حتى ترجم 155 رباعية وتركها جانباً، وفي عام 1925 نشرت مجلة منيرفا اللبنانية ترجمة لشاعر الشباب أمين نخلة وقدّمت لها بمقدمة لم ترق لعرار؛ مما دعا عرار إلى العودة إلى ترجمته مرة أخرى لاستخراج أصول ترجمة أمين نخلة، وترجمة رباعيات جديدة، إذ أقدم على نقد هذه الترجمة ومحاولة استخراج أصولها الفارسية من ترجمته التي تمت عام 1922، كما عمل ترجم رباعيات جديدة فوصل لعدد إلى 169رباعية نشر منها 55 رباعية مقرونة بمقالتين نقديتين في رده على أمين نخلة في هذه المجلة.
    لا بدّ من التأكيد أن ترجمة عرار التي جرت عام 1922م تعدّ الترجمة العربية الأولى لرباعيات الخيام؛ في حين يعتقد بعض النقاد بأن ترجمة أحمد رامي هي الترجمة العربية الأولي التي تمت عن اللغة الفارسية، وهذا غير صحيح، فأحمد رامي نفسه يقول في مقدمة ترجمته التي يمكن الرجوع إليها سافرت إلى فرنسا عام 1922حتى أتعلم الفارسية، وفي السنة التالية توفي أخي فلم أستطع العودة إلى مصر للمشاركة في العزاء، ومن ثم فقد أثرّت هذه الحادثة في ترجمته التي نشرها عام 1924وغنتها السيدة أم كلثوم التي عملت على إشهاره، فأحمد رامي نفسه يصرح بقوله: أصبحت مشهوراً عندما غنت أم كلثوم مختارات من ترجمتي لرباعيات الخيام.

       وأخيراً لا بدّ التأكيد بأن منظمة اليونسكو قد خصصت يوم 5/18  للاحتفال باليوم العالمي للخيام، اعترافاً منها بهذا الشاعر الكبير الذي ملأ الدنيا وشغل الشرق والغرب، فالخيام هو شاعر الإنسانية جمعاء، فهو الذي عبرّ عن آلامها ومعاناتها على مرّ التاريخ، وهو الذي طرح أسئلة الكون والوجود، والموت والحياة في محاولة منه للإجابة على الهواجس التي شغلت البشرية منذ الأزل.

لمزيد من المعلوملات يرجى الرجوع إلى مقالة "الخيام في الأدب العربي المعاصر" المنشورة في هذا الموقع.

الربابعة يترجم كتابين من الأدب الفارسي المعاصر خبر صدور كتاب أنطولوجيا الرواية الفارسية المعاصرة  وكتاب مراحل  الشعر   الفارسي على موقع جامع...