مراحل الشعر الفارسي
منذ الحركة الدستورية وحتى سقوط الملكية
للأستاذ الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني
ترجمة وتقديم: الدكتور بسام علي ربابعة
ترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية منذ عدة سنوات وما زال ينتظر النور، وهو الكتاب الثاني الذي يترجمه صاحب هذا الموقع للدكتور محمد رضا شفيعي كدكني؛ فقد سبقه كتاب" الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا" الذي نشرته "مجلة عالم المعرفة" الكويتية في عددها 368 عام 2009م، ويسعدني أن أقدم للمهتمين مبحث "رواج الشعر الفارسي الحديث" الذي أنهى به المؤلف الفصل الثاني من الكتاب، والذي جاء هكذا:
اتسم الشعر الفارسي بعد السنوات التي تلت 1941 م بشكل آخر؛ فقد عرض بضعة شعراء بارزين نماذج من شعرهم الجديد إلى جانب نيما يوشيج وبناء على أعماله إلى حدٍ ما، وكان بعضهم متأثراً بأسلوبه مباشرة؛ في حين كان قسم آخر يحاول متابعة طريق نيما بأسلوب أكثر اعتدالاً، ومن بين هؤلاء الشعراء جاءت الأسماء التالية أكثر بروزاً: الدكتور برويز خانلري، والدكتور مد الدين مير فخرائي، وفريدون توللي، والدكتور محمد علي إسلامي ندوش.
منذ الحركة الدستورية وحتى سقوط الملكية
للأستاذ الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني
ترجمة وتقديم: الدكتور بسام علي ربابعة
ترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية منذ عدة سنوات وما زال ينتظر النور، وهو الكتاب الثاني الذي يترجمه صاحب هذا الموقع للدكتور محمد رضا شفيعي كدكني؛ فقد سبقه كتاب" الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا" الذي نشرته "مجلة عالم المعرفة" الكويتية في عددها 368 عام 2009م، ويسعدني أن أقدم للمهتمين مبحث "رواج الشعر الفارسي الحديث" الذي أنهى به المؤلف الفصل الثاني من الكتاب، والذي جاء هكذا:
اتسم الشعر الفارسي بعد السنوات التي تلت 1941 م بشكل آخر؛ فقد عرض بضعة شعراء بارزين نماذج من شعرهم الجديد إلى جانب نيما يوشيج وبناء على أعماله إلى حدٍ ما، وكان بعضهم متأثراً بأسلوبه مباشرة؛ في حين كان قسم آخر يحاول متابعة طريق نيما بأسلوب أكثر اعتدالاً، ومن بين هؤلاء الشعراء جاءت الأسماء التالية أكثر بروزاً: الدكتور برويز خانلري، والدكتور مد الدين مير فخرائي، وفريدون توللي، والدكتور محمد علي إسلامي ندوش.
كان
الدكتور برويز خانلري المتبحر في الأدب الفارسي القديم والأدب الفرنسي، والذي بدأ
عمله الشعري بالقصيدة والغزل قد عرض في السنوات الأولى بعد 1941، وحتى ثلاث أو
أربع سنوات قبل ذلك أشعاراً معتدلة في قالب "جهار باره" وكان أغلبها في
مجال وصف الطبيعة وموضوعات الشعر الغنائي، والأشعار الأكثر شهرة من بينها جميعاً
شعر "ماه در مرداب" (القمر في المستنقع) سنة 1937م، وشعر "يغماى
شب" (هجوم الليل) سنة 1942م، ونادراً ما أنشد شعراً منذ حوالي 1955م، إلا أنه
لم يفقد الاعتدال ومراعاة المعايير القديمة سواء في اللغة، أو في شكل الشعر
وموسيقاه في الأشعار التي قدّمها حتى آخر سنواته، ولهذا السبب كان شعره في تلك
السنوات جسراً لقبول الأشعار الأكثر حدّة والأكثر تجديداً، كما كان لمجلته
"سخن" (الكلام) دور رئيس في نشر نماذج من الشعر الفارسي الجديد، وطباعة
مقالات حول الحداثة الشعرية – ضمن الموازين التي كان الدكتور برويز خانلري يعتقد
بها- وكان هذا في السنوات التي تلت 1941م أيضاً.
أما
الدكتور مجد الدين مير فخرائي الملقب بـ "كلجين الكيلاني" فكان واحداً
من الشعراء الذين قدّموا – عن طريق مجلة "سخن" بضعة نماذج شعرية جديدة
من أشعارهم في السنوات الأولى التي تلت سنة 1941م، فكانت أشعاره تتمتع بنوع من
الرومانسية الخاصة والصادقة، وقد لاقت القبول بسرعة لدى كثير من القراء من بين
محبي الشعر الفارسي الجديد؛ أي الأشعار التي كانت من نوع شعر "باران"
(المطر) و "نام" (الاسم) و "خانه تار" (البيت المظلم) والتي عَرّفتْ
كثيراً من الناس على مفهوم الحداثة والتجديد ضمن شكلها المعتدل الذي يستحسنه كل
شخص.
كما
قدّم فريدون توللي في هذه المجلة بضعة أشعار غنائية جذابة و"حداثية" طبق
زمانه، وكانت هذه الأشعار جسراً أيضاً من أجل العبور نحو شعر نيما الذي عرف
متأخراً، وقد أدرك كثير من الأشخاص – الذين يعرفون نيما يوشيج بشكل جيد ويدافعون
عن دوره في الأدب الفارسي المعاصر- مفهوم الحداثة والتجديد من خلال أشعار فريدون
توللي وبرويز خانلري، فلو لم تنشر أشعار من
نوع نهر "كارون" و "مريم" و "مهتاب" (ضوء القمر)
لفريدون توللي، وتلك الأشعار التي ذكرناها لبرويز خانلري وكلجين الكيلاني، فلعل
معرفة نيما يوشيج من قبل القراء الأكثر شباباً كانت تجري في وقت متأخر قليلاً، كما
عرفت أشعار من نوع "ملك الفتح" متأخرا لدى أذواق الناس وسلائقهم في
السنوات التي تلت 1941م والتي كانت ما تزال تطرح في منتداياتها الأدبية قضايا
ساذجة وابتدائية، ولهذا يجب ألّا ننسى هؤلاء الشعراء عند رسم منحنى مسيرة الشعر
الفارسي المعاصر؛ إذ إن الواجب يفرض علينا أن نوجّه اختلاف المشارب السياسية أو
التناقضات الشخصية وجهة واحدة أثناء الدراسة.
إن الشاعر الآخر الذي لاقى اهتماماً كبيراً في هذه
السنوات في مجال الشعر الغزلي هو الدكتور محمد علي إسلامي ندوشن، وهو من الباحثين
والكتّاب المشهورين في هذه الأيام، وقد ترك الشعر منذ سنوات طويلة؛ إلا أن نشر
بضعة أشعار غنائية من قبل الدكتور إسلامي ندوشن في تلك السنوات جدير بالاهتمام في
حد ذاته.
ظهر منذ حوالي سنة 1948م بضعة شعراء آخرين في ميدان التجديد
الأدبي الفارسي، وقد اهتموا بنيما يوشيج أكثر من غيره، ولذلك يمكن مشاهدة تأثيره
المباشر في أعمالهم أكثر من غيره من الشعراء، وإن لم يبقوا بعيدين عن العناية
بالأسلوب المعتدل لمجلة "سخن" أيضاً، وهؤلاء الشعراء الذين يعدّ كثير
منهم الآن من الشعراء المعاصرين المشهورين هم عبارة عن: هوشنك ابتهاج، وسياوش
كسرائي، ونادر ونادر بور – الذي اهتم
بالدكتور برويز خانلري أكثر من نيما يوشيج – وفريدون مشيري، ونصرت رحماني،
وإسماعيل شاهرودي وغيرهم.
أخذ الشعر الفارسي الحديث بالرواج والانتشار بشكل لافت
منذ 1953م، ولو لم يكن فيه تلك الحركة والصرامة الشعرية في المجالات العاطفية التي
كانت موجودة في المرحلة السابقة، لأصبح أكثر نضجاً من حيث مراعاة الأصول والمعايير
الشعرية؛ فقد بدأت الرومانسية الرائجة في الشعر تتجه نحو الأفول والزوال، وشيئاً
فشيئاً بدأ نوع من "الرمزية الاجتماعية" بالظهور في الشعر الفارسي المعاصر.
منح الشعر الاجتماعي الرمزي – من مثل ذلك النوع الذي
أقدم على نشره كل من مهدي أخوان ثالث وأحمد شاملو بين سنة 1954 و 1961م - أفق
الشعر الفارسي الحداثة والنشاط والحيوية من كل جهة، فما كان نيما يوشيج يعمل على
تطويره وحده في السابق، عملت هذه المجموعة من الشعراء على تحريكه ودفعه إلى الأمام
بشكل جماعي؛ بيد أن نيما كان في هذه السنوات ينشد آخر أشعاره التي أصبح أكثر
رمزية.
ظهر في الشعر الفارسي المعاصر حوالي سنة 1956م تياران
شعريان آخران إلى جانب الشعر النيمائي الذي تحدثنا عنه باختصار، وأحد هذين
التيارين الأسلوب الذي يجب تسميته بمدرسة "الاعتدال" وكان أكثر شعرائهه
ينشد في قالب "جهار باره" وقالب " الدوبيت" المتصل، وكانت الصبغة
الرومانسية هي المسيطرة عليها من حيث المضمون أيضاً، ومنشدو هذا الشعر هم عبارة
عن: نادر نادربور، وفريدون توللي، وفروغ فرخزاد، وفريدون مشيري، وحسن هنرمندي، وهم
الذين كانوا ينشدون الشعر النيمائي الحديث أيضاً، إلا أن هذه الخصوصية هي التي
كانت سائدة في أشعارهم؛ وفي الحقيقة فإن هذه المجموعة من الشعراء هم الذين عملوا
بشكل منظم وأكثر فصاحة وجذابية على استمرار طريقة الشعراء الذين كانوا قبل سنة
1941م، والذين جعلوا وجهة أنظارهم نظم الشعر في قالب "جهار باره"
الرومانسي، وكان شغلهم الشاغل ذكر تركيبات شعرية جديدة من نوع: " سكوت آشنا
سوز" (صمت المعرفة المحرق) أو"غروب شفق پيوند" (غروب الشفق المتصل)
وأمثالها، أو وصف لطلوع الشمس أو غروبها مع ليلة وصال أو يوم هجران؛ إذ يتجلى
لديهم كل شيء في "نور ماه" (شعاع القمر) و" سايه روشن غروب"
(ظل الغروب المضيء) و "دور دور دست" (بعيداً بعيداً) وفي
"رؤيا" (الرؤيا) و"اشباح وسايه ها" (الأشباح والظلال) ولكن
أعمال هذه المجموعة أصبحت باهتة شيئاً فشيئاً مثل: فريدون توللي الذي أصبح فجأة
تقليدياً وشاعراً غزلياً، أو مثل نادر نادر بور، وفريدون مشيري، وحسن هنرمندي،
الذين اتجهوا ضمن مجال موضوعات الشعر الفارسي الغنائي إلى تجديدات أكثر من ناحية
الشكل الشعري، كما تأثروا بنيما يوشيج أكثر على أي حال، ومن بين هذه المجموعة
اقتربت فروغ فرخزاد من نيما بعد نشرها شعر "تولدى ديگر" (ولادة أخرى)
أكثر من ذي قبل، وابتعدت عن الرومانسية ابتعاداً بيّناً.
كان هنالك أسلوب آخر بدأ بالظهور تدريجياً بعد سنة 1955م
إلى جانب الشعر النيمائي (التيار الأصلي)، والشعر الرومانسي المعتدل (التيار الذي
كان يتجه نحو الضعف) وهو ما يدعى بـ "الشعر المرسل"، وقد جُرّب في آثار
شاعر واحد فقط؛ بيد أن هذا الأسلوب الشعري لاقى اهتماماً لدى مجموعة من القراء بعد
السنوات التي تلت 1961م، وهو يتمتع اليوم بمؤيدين كثر وسط الشعراء الشباب وأغلبهم من
ذوي الأذواق الضعيفة، غير أن الشعر المنثور أو المرسل ما زال حتى الآن جديراً
بالدراسة فقط لدى أحمد شاملو وفي آثاره، وهو الشعر الذي يسعى إلى توجيه الموسيقى
الخارجية للشعر إلى وجهة واحدة، ويستعين بالموسيقى المعنوية كثيراً، وبالموسيقى
الجانبية أحياناً، حتى يعمل على تعويض ضعفه من حيث عدم امتلاكه للموسيقى الخارجية،
إلا أن النجاح في مثل هذا النوع من الشعر -باستثناء أعمال متلألئة لأحمد شاملو- ما
زال حتى الآن محل شك، وهنالك القليل من الآثار التي تتمتع بهذه الخصوصيات البارزة من
ضمن كل هذه الأشعار غير الموزونة التي تنشر يومياً في الصحف والمجلات والدواوين
الشعرية.