هواجس واعترافات: دراسة تحليلية لرواية شرق المتوسط
بحث مشتركة مع الزميل الدكتور محمد الزغول/ مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب، العدد الأول ، المجلد الخامس، 2008م
لا شكّ أنّ فنّ الرواية قد احتل موقعاً متميزاً في الأدب العربي المعاصر؛ فقد تمكن هذا الفن الحديث نسبياً خلال فترة زمنية قصيرة من توسيع قاعدة مخاطبيه إلى حدّ بات معه ينافسُ فن الشعر الذي كان طوال تاريخنا الأدبي هرماً عالياً لايكاد يطاوله فنّ ولا يرقي إلى مرتبته أي نوع أدبي آخر ، ويكفينا للبرهنة على هذا الادعاء تلك الشهرة الواسعة التي يحظى بها الروائيون العرب بين متذوقي الأدب من القرّاء في العالم العربي ، والأعداد الهائلة من النسخ التي تطبع من كل رواية لهؤلاء في هذا الزمن الذي كسدت فيه بضاعة الأدب، بل إننا إذا أخذنا بعين الاعتبار قدرة الروائيين العرب على الانطلاق من المستوى القطري والعربي إلى المستوى العالمي نجد أنهم تفوقوا في هذا المجال بوضوح على نظرائهم من الشعراء، ومن المعروف أنّ أول أديب عربي (نجيب محفوظ) تمكن من الحصول على جائزة (نوبل) للآداب في العالم كان روائياً ولم يكن شاعراً. وبالإضافة إلى ذلك فإن أعداداً كبيرة من الروايات العربية قد ترجمت إلى مختلف لغات العالم الحية؛ وهو أمر قد يعود إلى الخصائص النوعية لفنّ الرواية التي تسهل عملية نقله وترجمته إلي اللغات الأخرى، خلافاً للشعر الذي تصعب ترجمته إلاّ بشق الأنفس وبعد أن يفقد كماً عظيماً من روحه وجماليته.
كان لعبد الرحمن منيف الروائي العربي المتميز دور ريادي بارز في الرواية العربية، خاصة في مجال الرواية الملتزمة التي تناقش قضايا الإنسان العربي المعاصر، وتحلل الظروف السياسية والاجتماعية والنفسية التي يعيشها، وتحاول أن تشير إلى مكامن الجروح في محاولةٍ لعلاجها، والنهوض بالإنسان العربي إلى مستوى التعامل الإيجابي معها، إذ إن روايات عبدالرحمن منيف: «شرق المتوسط» و«شرق المتوسط مرة أخرى» و«الأشجار واغتيال مرزوق» و« سباق المسافات الطويلة» و« أرض السواد» و« قصة حب مجوسية» و « حين تركنا الجسر» و «النهايات» نالت منزلة رفيعة؛ فترجم بعضها إلى اللغات الانجليزية والفرنسية والروسية والفارسية … كما اسهمت ثقافته المتميزة واطلاعه على علوم العصر في أغناء هذه التجربة، فهو من بين الرواد العرب في مجال العلوم النفطية، إذ حصل على شهادة الدكتوراه في هذا التخصص في الستينيات من القرن الماضي من جامعة بلغراد، وخاض غمار النشاط السياسي مبكراً خلال مرحلة مهمة من التاريخ العربي؛ فعمل في مجال النفط حقبة من الوقت و تولى تحرير مجلة « النفط و التنمية» عام 1975 إلى أن تفرغ للكتابة كلياً سنة 1981م.(1)
اشتغل الدكتور عبدالرحمن منيف بالسياسة منذ فترة طويلة … ولعل هذا التجربة أثرت في شخصيته وجعلته يسعى إلى اكتشاف موقع الإنسان من الظلم والاضطهاد والضياع ومحاولة معالجة هذه القضايا بالسبل المتوفرة، ومن هنا يحدد منيف أهم وظائف الرواية على المستوى الفني والموضوعي فيقول: «إن المقصود ليس قضاء وقت وانحدار دمعتين كي تريح ضميرك، وإنما يجب عندما تنتهي الرواية أن تبدأ أنت … إن الروايات المهمة يبدأ أثرها عندما تنتهي …» (2) وينادي منيف بفكرة المساواة في الحرية السياسية والفكرية ويعكسها من خلال النموذج المثقف كبطل رواية «شرق المتوسط» الذي يكشف من خلاله عن الظروف والأحوال والمسببات التي أوصلت البطل إلى نهاية مؤلمة في سبيل تشخيص المرض و من ثم البدء بالعلاج.
كما احتلت رواياته منزلة رفيعة من الناحية الفنية؛ إذ تعد روايته " شرق المتوسط " التي هي موضوع هذه المقالة واحدة من الروايات التأسيسيـة فـي المدرسة الواقعية الاشتراكية العربية، فعبد الرحمن منيف يرى أن المناخ العام المليء بالقهر والاستبداد واللامنطق وغياب الديمقراطية، وتغييب الشعب هو الذي أفرز الموضوعات الروائية الجادة كموضوع هذه الرواية، و يرى أن الكلمة تحتل مكاناً بارزاً فهي تساوي التضحية ولا تقل ضرورة عن حمل السلاح(3)، وعلىالرغم من كل هذا فان رواية «شرق المتوسط» لم تحظ بما تستحقه من النقد والدراسة والتحليل؛ فما كتب حولها جاء في أغلب الأحيان عرضاً سريعاً لمحتوى الرواية وغرضها الأساسي وذلك ضمن كتاب أو مقالة تناولت أعمال عبدالرحمن منيف بشكل كلي، أو تناولت الرواية العربية أو السياسية عموماً، عدا عن ذلك قدم الدكتور أحمد الزعبي مقالة حول هذه الرواية يعالج فيها الرؤية العامة لعبد الرحمن منيف في الرواية من خلال فكرة حقوق الانسان بين الواقع والخيال(4) وليت استاذنا الفاضل تعدى ذلك إلى تحليل عناصر الرواية ونقدها والكشف عن ملامحها الفنية.
تهدف هذه المقالة إلى تحليل رواية"شرق المتوسط " من خلال العناصر الرئيسية لفنّ الرواية، في محاولة للكشف عن حقيقة المستوى الفني لها، بعيداً عن أنماط المجاملات الأدبية أو الغرق في أهمية موضوعها ووقعه في نفس الإنسان العربي، وحتى تتحقق الفائدة لمن لم يقرأ الرواية فقد ارتأينا أن نقدم ملخصاً للرواية قبل الشروع بتحليلها على أن ذلك لا يغني عن قراءة الرواية بالطبع.
ملخص الرواية
في الفصل الأول من رواية " شرق المتوسط " نتعرف على «رجب» بطل الرواية وهو يبحر على ظهر «اشيلوس» المركبة اليونانية التي سافر على متنها إلى فرنسا ، ويخبرنا أنه خرج من السجن بعد أن أصيب بمرض الروماتيزم، و أن توقيعه على صك تخليه عن العمل السياسي كان ثمنا لخروجه من السجن... ويروي لنا رجب هذا الفصل وهو مسافر على ظهر السفينة عبر ذاكرته ووعيه، فها هو يجلس على هذه المركبة يروي ما حدث له في السجن من صنوف التعذيب وتوقيعه على ذلك الصك...وتظل ذكريات السجن تؤرقه وتؤلمه... ويحاول إلقاء اللوم على جسده الذي لم يعد قادرا على الاحتمال والصمود، بعد أن بقي خمس سنوات شامخا لا يلين …
في الفصل الثاني تروي «أنيسة» الأحداث والألم يعتصرها لما حصل لأخيها ، فرجب أصبح لا يحتمل رؤية أحد... ونادرا ما يكلمها، فهو كثير الصمت والسبب في هذا أن ضميره يؤنبه على توقيعه ذلك الصك، وتتذكر «أنيسة» ماضي أخيها مقارنة إياه بحاضره الراهن كيف أعتقل وزج به في السجن، و كيف كانت أمها تتصرف؛ فقد كانت تخرج من الفجر باحثة عن رجب ولا تعود إلا عند الغروب؛ و بعد أربعة أشهر عرفت أنه ما يزال حياً، وتدخل أنيسة في حوار مع أخيها فتخبره كيف ماتت أمهما معتبرة أن الشرطة كانت وراء موتها، وتتذكر كيف أخبرت «رجب» عن شجرة «الحور» التي زرعتها أمه وكيف تألم و حزن و بكى، ثم قرر أن يقطع هذه الشجرة لأن شجرة الحور تمثل العزة و الأنفة؛ فهي تطاول السماء شموخاً وكبرياء، أما وقد سقط رجب ووقع الصك فلم يعد هنالك كبرياء فقطع الشجرة … وتروي أنيسة بعض التفاصيل عن أخيها – الذي زار قبر أمه قبل سفره بساعات – وذكرياته وأوراقه؛ وينتهي هذا الفصل وقد قرر «رجب» أن يترك أوراقه عند أخته، ويسافر مودعاً أخته و أبناءها.
في الفصل الثالث يظهر صوت «رجب» من جديد على متن «اشيلوس» وهي تبحر عبر المتوسط باتجاه اليونان، وهنا يتجه إلى «اشيلوس» يخاطبها ويبثها أحزانه وآلامه وهواجسه، وذكرياته وعذابه في السجن...ويبوح لها بإسراره بكل حرية، ويستعيد «رجب» بعضا من حياته السياسية قبل دخول السجن ، وصوراً من التعذيب وتثير المشاهد التي يطالعها على «اشيلوس» صنوف العذاب التي تحملها في السجن.
في الفصل الرابع نعلم من كلام «أنيسة» أنها تلقت عدة رسائل من «رجب»... ثم تتوالى الأحداث ويستدعى «حامد» زوج «أنيسة» إلى التحقيق ويهدد بالسجن، وفي إحدى الرسائل نعرف أن «رجب» يعزم على كتابة رواية يكون موضوعها الرئيس التعذيب، ويتطلع إلى أن يكتبها كل أفراد الأسرة، وأن تكون جديدة في كل شيء، ويطلع «رجب» أخته على فكرة السفر إلى جنيف، وتقديم مذكرة عن العذاب غير الإنساني الذي يتعرض له السجناء السياسيون ...
في الفصل الخامس يطلعنا «رجب» وهو الآن في (مرسيليا/ فرنسا ) على الصك الذي وقّع عليه ونصه كما يلي : « أرجو أن تسمحوا لي بالموافقة على السفر للعلاج في الخارج بناء على توصية الطبيب، لأن مسؤولية موتي في السجن تقع عليكم، وأتعهد أن أتـوقـف عن أي نشاط سياسي»، لقد حاول رجب أن يكتب وعانى من ذلك الكثير، إلا أنه فشل في كتابة شيء، و تنقل من مقهى للآخر وقابل الأطباء كثيراً وأوصوه ألّا يغضب وألّا ينفعل ويحزن، ويقارن رجب بين الحياة في أوروبا والحياة في الشرق، و يتلقى رجب رسالة يطلب إلى كاتبها العودة إلى الوطن؛ لأن صهره «حامد» موقوف في السجن و لن يخرج إلا عند عودته.
في الفصل الخامس يطلعنا «رجب» وهو الآن في (مرسيليا/ فرنسا ) على الصك الذي وقّع عليه ونصه كما يلي : « أرجو أن تسمحوا لي بالموافقة على السفر للعلاج في الخارج بناء على توصية الطبيب، لأن مسؤولية موتي في السجن تقع عليكم، وأتعهد أن أتـوقـف عن أي نشاط سياسي»، لقد حاول رجب أن يكتب وعانى من ذلك الكثير، إلا أنه فشل في كتابة شيء، و تنقل من مقهى للآخر وقابل الأطباء كثيراً وأوصوه ألّا يغضب وألّا ينفعل ويحزن، ويقارن رجب بين الحياة في أوروبا والحياة في الشرق، و يتلقى رجب رسالة يطلب إلى كاتبها العودة إلى الوطن؛ لأن صهره «حامد» موقوف في السجن و لن يخرج إلا عند عودته.
وفي الفصل السادس يعود صوت «أنيسة» من جديد ويخبرنا أنها ستنشر أوراق رجب كما هي؛ وفاء لذكرى شقيقها الذي عاد إلى الوطن ليسجن مرة أخرى، ثم يخرج فاقد البصر، ولا يطول الأمر حتى يفارق الحياة، وأما «حامد» فيدخل السجن، وتنتهي أحداث رواية "شرق المتوسط "....
تحليل الرواية
مقدمة الرواية والرؤية العامة
قدّم عبدالرحمن منيف روايته بنص وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يؤكد حق كل إنسان أينما وجد في الحرية، وعدم التمييز العنصري والفكري بسبب العقيدة أو الرأي، وتحريم التعذيب والاضطهاد وانتهاك الحياة الخاصة للإنسان في بيته وأسرته ومراسلاته، إضافة إلى التأكيد على حقوق الإنسان الفكرية والاجتماعية والعلمية .
بعد هذه المقدمة الهادفة ينقلنا عبدالرحمن منيف إلى عالم تمتهن فيه حقوق الإنسان بأبشع الصور، فيصور لنا أناساً بلا حقوق بلا ملامح بلا احترام، ويطرح الكاتب من خلال هذا الواقع المرير سخريته السوداء لهذا التناقض ما بين حقوق الإنسان المعلنة على الصعيد النظري - الخيإلي وواقع هذه الحقوق الخفية على الصعيد العملي -الفعلي ليصل إلى فكرته الرئيسة؛ وهي أن وثيقة حقوق الإنسان مجرد وثيقة حبر على ورق لا علاقة بينها وبين الواقع الحقيقي... »(5).
إنّ الموضوع الرئيس الذي يلقي بظلالة على الرواية في جميع فصولها هو موضوع الإنسان في مواجهة السلطة، في محيط جغرافي عبّر عنه الكاتب باسم «شرق المتوسط »، إذ هو الهم الأساسي للرواية وليس أحد الهموم الرئيسة؛ فهي «تحاول أن تكون صرخة في صحراء الصمت، لعل شيئاَ يحدث قبل أن يدمّر الإنسان هذه المنطقة تدميراً كاملاً» (6) فهنالك صراع بين السلطة والفرد وأول مستوياته المستوى المادي أو الجسدي، ويتمثل هذا في رجب بطل الرواية، التي هي شاهد عيان على عالم السجن و الزنزانة والتعذيب والقتل، ويروي لنا رجب بمرارة ما رآه وتجرعه من أنواع الاضطهاد والتعذيب : «مددوني على طاولة، كنت عارياً تماماً ، وجهي باتجاه الأرض، ورأسي يترنّح من الضربات، لا أعرف أيّ عددٍ من السجائر أطفأوا في ظهري، على رقبتي وداخل أذني كانوا يضحكون أول الأمر و أنا أحاول الدفاع عن نفسي بساقيّ الطليقتين، رفست مرتين أوثلات مرات، ولما حاولت في المرة الرابعة حزموا رجليّ بقوة... بدأوا يصرخون اعترف يا…»(7).
يشتدّ وقع آهات وأنات رجب في نفس القارئ، وترقى المفارقة في الرواية إلى أعلى مستوياتها، عندما يوحي لنا الكاتب بما تم تسجيله من انجازات حضارية وعلمية تفوق الخيال في هذا العصر، لكن هذه الانجازات وهذا التقدم الحضاري لا يقوى على حفظ أبسط الحقوق المشروعة للإنسان، الذي يتعرض لمسخ آدميته وسحقه جسدياً وروحياً وعقلياً، لقد جاءت هذه الرواية صرخة احتجاج في صحراء الصمت المطبق على أرجاء الكون، في عصر لا تسمع فيه الآذان إلا هديرالآلات والمحركات، وليس هنالك من يعير أية أهمية لأنات سجين سياسي يواجه أشد أنواع التنكيل في «شرق المتوسط»، إنها صرخة حادة مليئة بالألم والياس، ودعوة صادقة تنادي الكون كي يتسع صدره، ليس للرأي الآخر فقط؛ بل لآراء عديدة لتمضي عجلة الحياة والتطور بشكل أسلم إلى الأمام ، «إن رأيين أفضل من رأي واحد، وثلاثة أفضل من اثنين، وأربعة أضمن وخمسة أشمل، وهكذا فالعقل يحكم بالخلاف ولكن ليس بالسيف أو الرصاص » (8)، ورغم ما يبدو في الرواية من إمعان في الواقعية وفضح الواقع السياسي وتعريته ورصد ظواهر الخيبة فيه، فإنها «وعدت بمستقبل مشرق من خلال موت «رجب»، ذلك أن في موته حياة للآخرين؛ فهو لم يمت إلاّ بعد أن خلّف من بعده بذور النضال، والمطالبة بالحياة الحرة الكريمة في شخصية «حامد» زوج أخته ، و«عادل» ابن أخته، وحتى في شخصية أخته نفسها »(9).
فكرة «الموت في الوطن »
هنالك أسباب وعوامل كثيرة دفعت عبدالرحمن منيف إلى اختيار هذه النهاية لبطل روايته «رجب»، فالعودة إلى أرض الوطن والموت فيه أو فكرة الموت في أرض الوطن حياة واستمرارية وبشرى بمستقبل مشرق جاءت نتيجة للصراعات التي أفرزها القرن العشرون في مختلف المجالات، فالصراع السياسي وموجات الاحتلال والاستعمار ومقاومته وكفاح الضعفاء في مواجهة الأقوياء انتجت ردة فعل تمثلت بالمقاومة والتمسك بالأرض والالتحام بالوطن، وبالتالي إدانة فكرة الهروب وعدم المواجهة أو الانسحاب منها وتلافيها مهما كانت الظروف والمبررات ، فالموت في أرض الوطن حياة، والحياة في الأرض الغريبة موت وهروب وجبن(10)، على أن «رجب» هنا لا يصارع عدواً أجنبياً محتلاً؛ بل يصارع الظلم والسلطة التي تستلب أحلام بني جلدته، فموته في أرض الوطن أدعى وأولى، حتى إن محاولة استعانته بمنظمة العفو الدولية لفضح السلطة والتأثير عليها تبدو وكأنها عمل لا يجدي نفعاً في الرواية ، فالسلطة تقوم باعتقال زوج أخت «رجب» مما يضطره إلى العودة والمقاومة، على الرغم من معرفته بالمصير الذي ينتظره.
الشخصيات
إنّ معظم شخصيات عبدالرحمن منيف في رواياته: شرق المتوسط، وشرق المتوسط مرة أخرى، والأشجار واغتيال مرزوق.... شخصيات مثقفة كشخصية رجب، وأهم سمة تميزها هي الرفض للأوضاع التي تحيط بها، وهذه الشخصيات هي انعكاس لشخصية الروائي المثقف، والسياسي الفعال عبدالرحمن منيف الذي عمل في السياسة لفترة طويلة تعرض على أثرها إلى شتى أنواع الملاحقة والإيذاء، حتى إنه اضطر لقضاء معظم حياته خارج وطنه نتيجة للملاحقة المستمرة له، ولذلك فان روايته «شرق المتوسط» تهدف إلى إبراز وضع الإنسان في هذه المنطقة -شرق المتوسط- من خلال شخصية «رجب» وما عايشته من أحداث .
إنّ شخصية «رجب» شخصية نامية متطورة، تنمو مع صفحات الرواية صفحة صفحة، وتتضح معالمها شيئا فشيئا، بدايةً تصطدم مع السلطة، وتسجن، ثم ترى مباهج الحياة، ويرافق ذلك المرض وموت الأم، وعوامل أخرى سنعرفها بعد قليل، فيسقط رجب وينهار أمام جبروت السلطة وتتطاول المحن عليه، ثم يعود إلى النضال من جديد... بعد أن يقرر العودة إلى بلده ومواصلة العمل السياسي.
نلمح ثقافة «رجب» منذ طفولته، فقد كانت غير عادية وعندما كبر - كما تقول أخته أنيسة - «بدأ يقرأ دون توقف، وكلمات أمي وهي تلح عليه أن يقوم ليأكل أو يتوقف عن القراءة بعد أن صاح الديك ولم يبق أحد ساهراً، كانت كلماتها تذهب هباء، ولم يكن يستجيب إلا إذا خانه السهر أو انتهى الكتاب ». (11)
هكذا نرى أن المؤلف يمهد الطريق لبطل روايته، فيحصل على شهادة علمية تؤهله لحمل مسؤولية كبيرة، فتنمو شخصيته وتتطور ويدخل السجن، ويدخل «رجب» في عدة اختبارات ينجح فيها، فيتحمل صنوفاً من العذاب، وبعد خمس سنوات يضعف وينهار، وتسهم عدة عوامل وظروف أخرى في انهيار شخصيته ومنها «هدى»، يقول رجب : «كانت هدى أقوى الآمال التي تشدني إلى عالم الحرية ، كنت أتصورها مثل بطلة الأساطير لا تمل أبداً من الانتظار»(12)، ومن هذه الظروف موت أمه، يقول رجب «لماذا مت يا أمي ؟ لماذا تركت أنيسة الضعيفة لتكون نافذتي على هذا العالم»(13) ومنها مرض رجب؛ فقد كان مريضاً بالقلب، وكانت أنيسة عاملاً آخر من العوامل التي أدت إلى انهياره.
تستمر شخصية رجب في النمو والتطور فيسافر إلى فرنسا، ويبدأ مرحلة جديدة ثمّ يقرر السفر إلى جنيف لعرض قضية الإنسان وكرامته على لجنة حقوق الإنسان، ولكنه يقرر العودة بعد أن يخبر بأن السلطات قبضت على زوج أخته «حامد» وسجنته بسببه، فيعود إلى وطنه ليجد السجن بانتظاره، ثم يخرج منه بعد أن فقد بصره، وبعد أيام قليلة يموت؛«يبدو أن الروائي يصرّ على منح رجب صفة البطل الملحمي، فهو بطل في كل شيء حتى في كيفية موته تروى أنيسة، فتقول: «كان يهزّ رأسه بحزن، ولا يتكلم وفجأة رأيت وجهه يعتكر، كأن ألماً حاداً يتلوى في داخله... أتذكر تلك اللحظة المجنونة ، وكأنها لا تزال تحت بصري تقع الآن ، تقلص وجهه ، ثقلت أنفاسه، أصابه شحوب جديد، ثمّ فجأة هز رأسه بقرف متألم وانتهي »(14)، وهكذا نرى «رجب» يسير في الرواية عبر خمس مراحل هي :
المرحلة الاولى : مرحلة النضال والانتماء للحزب، ثم السجن والتعذيب وهي مرحلة طويلة.
المرحلة الثانية: مرحلة السقوط والضعف والاستكانة لأوامر السلطة .
المرحلة الثالثة: مرحلة معاودة النضال والعودة للوطن .
المرحلة الرابعة: مرحلة الانهاك والعمى في سجنه الثاني .
المرحلة الخامسة : وهي الموت ، (الموت من أجل الحياة ) .
السرد
إذا ما التفتنا إلى أسلوب السرد، فإننا نرى أن عبدالرحمن منيف تجاوز أسلوب السرد التقريرى، فحاول استخدام الأساليب الحديثة، فهو يستخدم أسلوب التناوب السردي؛ إذ يقسم مهمة السرد بين شخصيتين تتناوبان الحديث، فيتحدث رجب عبر فصل كامل، ثم تتبعه أنيسة في فصل لاحق، ثم يعود الحديث إلي رجب في فصل جديد وهكذا حتى نهاية الرواية.
كما يستخدم منيف أسلوب الاسترجاع، فيورد نهاية الرواية منذ بدايتها، ثم يعود إلى تفاصيل أحداث الرواية، فالفصل الأول من الرواية يقع تحت تيار الوعي فرجب في بيته، وهو خارج لتوه من السجن؛ لكنه يعود بنا عبر رحلة تذكرية إلى ماضيه وسجنه وعذابه ورفاقه وسقوطه وعالمه الماضي(15)، وتستمر الرواية في الاستغراق في تيار الوعي من خلال الرجع التذكري في مواطن كثيرة من الرواية، فرجب يسافر إلا أن ذكريات السجن ما تزال تلاحقه، والصور السوداء القاتمة تلح عليه من حين لآخر، فليجأ إلى السفينة التي يسافر على متنها يخاطبها، ويناجيها من خلال مناجاة نفسه أيضاً: قل لهم شيئاً يا رجب، اكذب عليهم، لا لن أقول كلمة واحدة، أصرخ و قد اختفي وجهي وأحس عيني تخرجان… واصمت لو عرفت السجن يا اشيلوس يوماً واحداً لعرفت الصمت(16).
كما لجأ عبدالرحمن منيف إلى المونولوج أيضاً، فهذا حامد يحدث نفسه، وقد بدأ بالتبرم والضيق من ممارسات السلطة مع رجب «هل يمكن للإنسان أن يعيش بهدوء لا أحد ينجو الذي يعمل في السياسة والذي لا يعمل، الذي يحب النظام والذي لا يحبه»(17)، ويبدو الاسترجاع عند أنيسة وهي تتذكر حديث أمها عن رجب قبل أن تموت (18).
نلاحظ أنّ صوت الروائي يختلط بصوت الشخصية للتعبير عن فكرة في ذهن الروائي ، فيجد في شخصيته متنفساً له يعبر عن فكرته هذه، ولعل الفكرة المبثوثة في شخصية رجب صدى لمجموعة أفكار في ذهن منيف أراد أن يوصلها للقارئ من خلال هذه الشخصية(19) ونلاحظ هذا أيضاً في الرسالة التي كتبها «رجب» إلى أخته أنيسة والتي عبر من خلالها عن رغبته في كتابة رواية عن التعذيب، فنلمح فيها نهج عبدالرحمن منيف ورؤيته في العمل الروائي، يقول المؤلف على لسان رجب: «كيف يجب أن تكون الرواية ، أريدها أن تكون جديدة بكل شيء، أن يكتبها أكثر من واحد، وفيها أكثر من مستوى، وأن تتحدث عن أمور مهمة... وأخيراً أن لا يكون لهـا زمـن »(20) ... ويضيف : «وحتى لا نقع في دوامة قد لا نخرج منها ، فمن الضروري أن نحدد موضـوعاً ونكتب فيه، التعذيب مثلاً، كيف تتصورين الموضوع؟ كيف يتصوره إنسان من الخارج ؟... وطبيعي أيضاً أن ننظر إليه من زوايا مختلفة، هذه الزوايا المختلفة ضرورية لكي نرى الشيء من جميع جوانبه، فإذا ارتبط الموضوع أيضا بالأزمان العديدة والأعمار العديدة أصبح شيئاً جديداً »(21).
وهكذا تبرز رواية شرق المتوسط واضحة من خلال حديث رجب عن روايته التي يحلم بكتابتها، فروايته التي يحلم بها ليس لها زمن وكذلك رواية شرق المتوسط، وهو يريد «أن يكتبها أكثر من واحد، وفيها أكثر من مستوى» وكذلك رواية شرق المتوسط، وأن يكون موضوعها التعذيب، وما رواية شرق المتوسط إلا كذلك ، فعبد الرحمن منيف يضع تصوره للرواية على لسان رجب في تصوره لروايته التي يحلم بكتابتها، فلقد جاءت بصمات المؤلف بمثابة شرح لطبيعة طريقته؛ «إذ تضمنت رسالة رجب إلى أنيسة مشروع الرواية ذاتها، وهو مشروع يصعب القول بأنه يختلف في جوهره عن البناء العام لهذا الرواية فيتحدث منيف بواسطة بديله «رجب» في شرق المتوسط عن هواجسه وآلامه و طموحاته، و على الرغم من أنه ليس واثقاً تماماً من جدوى الكتابة، فقد وجد نفسه مضطراً إليها، إذ يتساءل «ما فائدة الكلمة؟ من سيقرؤها؟ حتى لو قرئت فما تأثيرها» وإذ يرى في لحظات معينة أن «الكلمات تبدو مثل أوراق الشجر في بداية الشتاء، مصفرة، ضعيفة، حتى إذا صفقتها الريح تطايرت ثم ديست بالأقدام» فإنه يعترف بأن الكتابة الروائية ليس احترافاً؛ بل قد تأتي كضغوط نفسية آيلة للانفجار، وهي ضغوط نجد نوافذها في فترة معينة من حياة الكاتب»(22).
"لقد سهل علينا عبدالرحمن منيف، ومن خلال تخطيط رجب للرواية فهم التقنية التي بنيت في إطارها هذه الرواية المتفردة، فهي جديدة وكتبها أكثر من واحد... لقد تشابكت فيها الأصوات وتشابكت فيها الخيوط والرؤى، وهي تنصب جميعها على شيء واحد.... هي أكثر من مستوى مستويات متراكبة متداخلة، مستوى المباشرة، ومستوى الحلم، ومستوى الاستدعاء ومستوى التداعي، مستوى الأنا والأنت يتبادلان المواقع، لماذا أرادها عبدالرحمن أو لنقل رجب بلا زمن... إنّ الزمان يساويها من الخارج، لكنه ينكسر معها من الداخل إنها...إنها اعترافات»(23)
لقد حلم البطل في استعمال الكلمة لكشف واقع العذاب والضياع وأزمة الحرية المفقودة في الوطن: شرق البحر المتوسط بكتابة رواية تحتج وتكشف وتدين التعذيب والاضطهاد والقهر، و تحرير بيانات للجان حقوق الإنسان والصليب الأحمر الدولية بجنيف عن محنة السجناء السياسيين في الوطن العربي؛ محاولاً إنقاذهم، وخلال ذلك يتأرجح البطل بين اليأس والرجاء، ومحاولة شحذ الإرادة و استعادة الثقة و القدرة على عمل شيء مفيد لقضية الحرية»(24).
شرق المتوسط وميرامار
اتّبع عبدالرحمن منيف تقنية جديدة في السرد الروائي، كان قد استخدمها نجيب محفوظ في رواية «ميرامار»(25)؛ فرجب وأنيسة يرويان الحدث نفسه من جوانب مختلفة في وقتين مختلفين، وهنا تبرز أهمية هذا النوع من السرد في أن الحدث الواحد يقدم لنا من خلال زاويتين لا من زاوية واحدة، و «رجب وأنسية هما الخطان الممتدان داخل و حول الأحداث بهما تبدأ و بهما تنتهي، وهما اللذان يرويان في وقتين مختلفين حدثاً واحداً… لكن من جوانب مختلفة كذلك… أحدهما يروي المقدمات والأخر لا يروي إلا النتايج … فرجب يتحدث عن الفعل من المركز ذاهباً إلى الاطراف، وأنيسة تلتقط الحدث، وترحل إلى المركز فتكمل الدائرة بالحدث وامداداته الإنسانية»(26) هذا في شرق المتوسط، أما في «ميرامار» فنلاحظ أن المحتوى قُدِّم مرات عديدة من وجهة نظر الشخصيات الأساسية في الرواية؛ إذ تبدأ الرواية بعامر وجدي الذي يقدم لنا ما يدور في «بنسيون ميرامار» من خلال رؤيته هو، وكذلك يُقدِّم لنا كل من حسني علام ومنصور باهي وسرحان البحيرى المحتوى من رؤيتهم الخاصة، ولذلك نجد أربعة أصوات في «ميرامار» تقدم المحتوى منذ دخولها «بنسيون ميرامار» وحتى وقوع الجريمة، وكلهم يتحدثون عن «زهرة» الخادمة التي تعمل في هذا البنسيون .
وبهذا نلاحظ أن الحدث واحد ويرويه اثنان عند عبدالرحمن منيف، وهو واحد كذلك عند نجيب محفوظ، في حين يرويه أربعة، وإذا ما نظرنا إلى البطل في «شرق المتوسط» فإننا نجد أنه رجب، أما البطل الحقيقي في «ميرامار» فهي «زهرة» التي تنصب عليها أحداث الرواية، فقد كانت بؤرة الأحداث التي تناولتها جميع الشخصيات .
اللغة
أما لغة عبدالرحمن منيف فقد حاولت خدمة موضوعه الروائي، فروايته تتمحور حول القهر والاضطهاد ، ولذلك نجد أن روايته تميل إلى الحدّة والتوتر، فتنقل أشكال القهر والاضطهاد التي تعانيه الشخصية الروائية، والانعكاسات النفسية من مثل : القلق والتوتر والثورة، وينعكس كل هذا عبر لغة مشحونة بالحدة والتوتر، فنلاحظ أن اللغة تعكس الجو المأزوم والمشحون بين رجب وأمه: «قالت بعصبية جامحة وكأنّ الجرح الذي أصابها لم يترك لها فرصة كي تفكر بهدوء:
«مئة جهنم ، وأكون مجنونة إذا سألت عنك».«مئة جهنم ، ولا أريد أحد أن يسأل عني»(27).
ولغة منيف لغة فصيحة لا تكاد تحيد عن الفصاحة، بيد أنه يستخدم اللغة الدارجة أحياناً، ويستعمل بعض الألفاظ والشتائم، ويكفي أن نلقي نظرة سريعة على الرواية حتى ندرك كثيراً من هذه الالفاظ التي اضطر المؤلف أحياناً إلى حذفها لأنها تمس الذوق العام .
الزمان والمكان
وأما الزمان والمكان-وان كان هذا العنصر غير مهم من الناحية الأدبية- فنلاحظ أن المؤلف ترك تخمين الزمن للقارئ في روايته هذه التي يكتبها تاريخا مفتوحاً لعلاقة الفرد بالسلطة، ومن هنا يأخذ الرمز الزمني أهميته للموضوع الروائي فلا نستطيع أنّ نعرف في أي زمن حصلت أحداثها، وفي أي تاريخ بدأت، ومتى انتهت، يكتب بطلها في هذا الصدد إلي شقيقته قائلاً: «أريدها أن تكون جديدة بكل شيء ... وأخيراً أن لا يكون لها زمن »؛ وأما المكان فيستطيع القارئ ابتداء من عنوان الرواية أنّ يتأكد من أن وطن «رجب» هو شرق المتوسط في المنطقة التي يصفها «رجب» بقوله «هل يتصور أن على الشاطئ الشرقي للمتوسط إنسان واحد يمكن أن يموت من الفرح»(28)، أو عندما يخاطب الباريسيين : «آهٍ يا أهل باريس لو جئتم بكتبكم إلى شاطئ المتوسط الشرقي لقضيتم حياتكم كلها في السجون »(29)، ولا نستطيع أن نعرف في الرواية ما هو المقصود تحديداً بـ «شرق المتوسط» هل هو الشرق كمفهوم جغرافي مقابل الغرب، أو شرق المتوسط بعينه أو دولة بعينها، أو غير ذلك؟ وعلى الرغم من ذلك فإننا نستطيع أن نزعم أن المقصود بـ «شرق المتوسط» المنطقة الجغرافية الممتدة من ضفاف الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وحتى أعماق الصحراء، وهذا واضح في الرواية في مواطن كثيرة ، ومنها قول المؤلف : «آهٍ لو تنظرين لحظة واحدة في مقر سرداب من آلاف السراديب المنشورة على شاطئ المتوسط الشرقي وحتى الصحراء البعيدة»(30)، وقوله:«تلك الأرض الممتدة على الشاطئ الشرقي للمتوسط وحتى الصحراء البعيدة» (31)، وقوله «تلك الأرض الممتدة على الشاطئ الشرقي للمتوسط حتى أعماق الصحراء»(32)، وقوله«وأنت يا بلاد الشاطئ الشرقي، بدءاً من ضفاف البحر وحتى أعماق الصحراء »(33)؛ فهذا المؤلف نفسه يذكر مراراً أن مكان الرواية هو المكان الممتد من الشاطئ الشرقي للبحر وحتى أعماق الصحراء، وهذا ما يؤكد أن المكان الذي تقع فيه أحداث الرواية هو الشاطئ الشرقي، وبالتالي نستبعد الأماكن الأخرى .
كلمة أخيرة
في الختام يبقي السؤال الذي كان يلح علينا منذ القراءة الأولى للرواية : هل كانت "شرق المتوسط"- كما أراد لها عبدالرحمن منيف أن تكون وصرّح بذلك على لسان بطله «رجب»- روايةً «جديدة في كل شيء»؟!
من المؤكد أن الموضوع الأساس للرواية - وهو الإنسان في مواجهة السلطة في العالم العربي - ليس موضوعاً جديداً، بل يمكن القول إنّ بعض الروائيين العرب قد تطرقوا إليه بشكل أو بآخر في رواياتهم؛ فقد عالجه نجيب محفوظ بقوة في «اللص والكلاب».
أما فكرة الموت في أرض الوطن التي تعني الحياة والبقاء والخلود؛ في حين أن الموت خارجه يعني العدم والاغتراب والنسيان، فقد تكررت في رواياتٍ عديدةٍ معاصرة ومتقاربة زمنياً بشكل يصعب معه الحكم بجدتها عند عبدالرحمن منيف، لأن زمن تأليف الرواية هنا هو المهم، وليس تاريخ انتشارها، لكن المؤكد هو أن الطيب صالح في رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» قد سبق منيف إليها، ونلاحظ هذه الفكرة كذلك في رواية حنا مينة «الثلج يأتي من النافذة»، وفي رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس»، إضافة إلى مسرحيات وقصائد وقصص قصيرة متعددة.
أما بالنسبة للتقنيات الفنية كأسلوب الاسترجاع والتناوب السردي وتعدد الرواة وتعدد مستويات الرواية، كمستوى المباشرة، والحلم، والاستدعاء، والتداعي، والأنا والأنت اللذين يتبادلان المواقع، ففي هذه العناصر لم تكن الرواية جديدة بمعني الكلمة، وقد أشرنا إلى ذلك في الموازنة بين «شرق المتوسط» و«ميرامار»، وعلى الرغم من ذلك يمكن القول بأن عبدالرحمن منيف كان واحداً من الروّاد في الرواية العربية في استخدام هذه التقنيات والاستفادة منها لخدمة النص بشكل متميز.
الخلاصة والنتيجة
يتجلى الإبداع في رواية الأديب العربي المشهور عبد الرحمن منيف«شرق المتوسط» في ثلاثة عناصر رئيسة : العنصر الأول هو الزمن وانكساره داخل الرواية مع مساواته لها وتناميه وانسجامه معها من الخارج، والعنصر الثاني هو المكان وذلك الامتداد المرموز لجغرافيا الرواية من ساحل المتوسط إلى قلب الصحراء البعيدة، وفي هذين العنصرين يتجنب منيف التحديد لخدمة هدفٍ بعيد في الرواية لتنسجم مع إنسانية موضوعها ومقدمتها الهادفة، أما العنصر الثالث الجديد في الرواية فهو الجرأة في عرض موضوع الرواية ورؤيتها العامة للأوضاع السياسية والاجتماعية في"شرق المتوسط"، ومعالجتها لموضوع تعذيب السجناء السياسيين بجرأة قلّما نراها في الرواية العربية مع ملاحظة حساسية الموضوع وخطورته، ولا تفوتنا الإشارة إلى مقدمة الرواية الرائعة والمرموزة، التي لا يمكن فصلها عن مضمون الرواية لكونها مقدمة، فهي تضرب في عمق الهدف والغرض الأساسي للرواية، و هكذا نرى أن "شرق المتوسط " لم تكن جديدة على المستوى الفني والمضمون والأسلوب، إذا أخذت تلك المستويات منفردة كل على حدة، ولكنها جديدة حقاً إذا نظرنا إلى جميع هذه المستويات باعتبارها وحدة متكاملة، ونتاج متميز لأحد أكثر الروائيين العرب التزاماً والتصاقاً بقضايا وطنه وأمته.
الهوامش
1- الزعبي، زياد وآخرون. مصطفى وهبي التل (عرار) قراءة جديدة، ص615.
2- السامرائي، ماجد وفضل، جهاد " مقابلة مع عبد الرحمن منيف" مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 6-7، ص127.
3- عابدين، نزار " مقابلة مع عبد الرحمن منيف" مجلة عالم المعرفة، عدد 204، ص79.
4- الزعبي، أحمد، مقالات في الأدب والنقد، الطبعة الأولى، مكتبة الكتاني، اربد – الأردن، 1993، ص 23-24.
5- المرجع السابق، ص23.
6- حبيب، نجاح " تعيين الشخصية ذاتها في رواية شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف" مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 25، ص126.
7- منيف، عبد الرحمن، شرق المتوسط، منشورات وزارة الإعلام – العراق، 1977، ص109.
8- الزعبي، أحمد، مرجع سابق، ص24.
9- قويدر، عيسى، عبد الرحمن منيف روائياً، رسالة ماجستير مخطوطة – مكتبة جامعة اليرموك – الأردن، ص16.
10- الزعبي، أحمد مرجع سابق، ص24.
11- منيف، عبد الرحمن، مرجع سابق، ص150.
12- المرجع السابق، ص35.
13- المرجع السابق.
14- المرجع السابق، ص211.
15- قويدر عيسى، مرجع سابق، ص140.
16- منيف، عبد الرحمن، مرجع ساق، ص145.
17- المرجع السابق، ص141.
18- المرجع السابق، ص149.
19- قويدر، عيسى، مرجع سابق، ص78.
20- منيف، عبد الرحمن، مرجع سابق، ص162.
21- المرجع السابق، ص163.
22- الموسوي، محسن، الرواية العربية: النشأة والتحول، دار الأدب، بيروت، د، ت. ص212.
23- محادين، عبد الحميد، رؤية في الظل، الطبعة الأولى، د.م. 1983، ص68.
24- عطية، أحمد محمد، الرواية السياسية، دراسة نقدية في الرواية السياسية العربية، مكتبة مدبولي، القاهرة، د.ت، ص46.
25- محفوظ، نجيب، ميرامار، الطبعة الثانية، دار القلم، بيروت، 1974.
26- محادين، عبد الحميد، مرجع سابق، ص66.
27- منيف، عبد الرحمن، مرجع سابق، ص79.
28- المرجع السابق، ص187.
29- المرجع السابق، 188.
30- المرجع السابق، ص177.
31- المرجع السابق، ص177.
32- المرجع السابق، ص169
المصادر والمراجع
1. حبيب ، نجاح « تعيين الشخصية ذاتها في رواية شرق المتوسط لعبدالرحمن منيف»، مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد 25، 1983.
2. الزعبي، أحمد ، مقالات في الأدب والنقد ، الطبعة الأولى مكتبة الكتاني ، اربد ـ الأردن،1993 .
3. الزعبي، زياد و آخرون، مصطفي وهبي التل (عرار) قراءة جديدة، الطبعة الأولى، مؤسسة عبدالحميد شومان و وزارة الثقافة ـ الأردن و المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2002.
4. السامرائي ، ماجد و فضل جهاد: مقابلة مع عبدالرحمن منيف، مجلة الفكر العربي المعاصر، 1980,7,6
5. عابدين نزار ،« مقابلة مع عبدالرحمن منيف»، مجله المعرفة، عدد, 1979,204.
6. عباس، عبدالجبار ، في النقد القصصي، دار الرشيد، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، العراق، 1980م.
7. عطية ، احمد محمد ، الرواية السياسية ، دراسة نقدية في الرواية السياسية العربية ، مكتبة مدبولي ، القاهرة ، دون تاريخ .
8. قويدر، عيسي ،عبدالرحمن منيف روائياً،رسالة ماجستير مخطوطة،مكتبة جامعة اليرموك ـ الأردن ، 1984م
9. محادين ، عبدالحميد ، رؤية في الظل ، الطبعة الأولى, دون دار نشر،دون مكان , 1983م
10. محفوظ، نجيب ، ميرامار، الطبعة الثانية، دارالقلم، بيروت، 1974.
11. منيف ، عبدالرحمن ، شرق المتوسط ، منشورات وزارة الإعلام ـ العراق ، 1977م
12- الموسوي، محسن ، الرواية العربية : النشأة والتحول ، دار الأدب، بيروت، دون تاريخ.
هناك 5 تعليقات:
الرواية بها كثير من الاحزان وتعكس عالم من الظلمات.
اشكرك سيدي على التحليل القيم.
الرواية بها كثير من الاحزان وتعكس عالم من الظلمات.
اشكرك سيدي على هذا التحليل القيم.
الرواية بها كثير من الاحزان وتعكس عالم من الظلمات.
اشكرك سيدي على هذا التحليل القيم.
الرواية بها كثير من الاحزان وتعكس عالم من الظلمات.
اشكرك سيدي على هذا التحليل القيم.
الرواية بها كثير من الاحزان وتعكس عالم من الظلمات.
اشكرك سيدي على هذا التحليل القيم.
إرسال تعليق