مقدمة الترجمة العربية
أضحت الترجمة والنقل عن اللغات الأخرى
مطلباً حضارياً وفكرياً وثقافياً لا يمكن الاستغناء عنه، فغدت لبنة أساسية في حوار
الحضارات، هدفها محاولة الخروج من جدران العزلة الأدبية والثقافية، وتعظيم فرص
الحوار وتهيئة إرهاصاته، وتعزيز المثاقفة بين الأمم والشعوب ذات المشارب المختلفة؛
إذ إن إقامة العلاقات والتفاهم مع الثقافات والحضارات الأخرى، وتنمية فرص الحوار
الثقافي من بين الأهداف التي تسعى الترجمة لتحقيقها، ومن هنا يتجلى الدور الذي
تضطلع به من حيث التعريف بالآخر، والتواصل مع الثقافات الأخرى، والانطلاق في
فضاءات رحبة، بدلاً من التقوقع على الذات، والانطواء على النفس، فقد غدت ثورة
عظيمة الأثر على مختلف المستويات والأصعدة الثقافية والأدبية والعلمية، وشكّلت
جسراً للتواصل مع الثقافات المختلفة والحضارات المتعددة؛ فالترجمة التي تشّكل فيها
الكلمة الركن الأساس تلعب دوراً مهماً في تلاقح الأفكار وتثاقفها، في ظل العولمة
وما نعيشه من تسارعات كبيرة جداً في هذا العصر؛ وهي ظاهرة تدعونا إلى التفاعل
الإيجابي مع ثقافات الشعوب الأخرى، ومحاولة فهم ما لدى الآخرين من أفكار ومعارف،
ومن ثمّ فإنها وسيلة لتبادل الثقافات ونشرها، وتعانق الحضارات والتقائها لا
تنافرها وصراعها، وفي النهاية فإن الهدف الذي تسعى إليه الترجمة هو المساهمة في
الفكر العالمي، وإثرائه بالأفكار البناءة والمفيدة، وهنا يتجلى دورها وأثرها في
الحوار الحضاري والتفاعل الثقافي وما ينتجه العقل البشري.
لقد حظي كتاب" صورة العرب في الأدب
الفارسي المعاصر" بما لم يحظ به غيره من الكتب الأخرى؛ فقد أحدث هذا الكتاب
حراكاً ثقافياً في لغات ثلاثة هي: الانجليزية والفارسية والعربية، وربما تنتقل هذه
الظاهرة التي عزَّ مثيلها إلى لغات أخرى في وقت قريب وهي مؤهلة لذلك؛ إذ إن صورة
العرب في الأدب الفارسي المعاصر هي الموضوع الذي بحثته الباحثة والمستشرقة الأمريكية جويا بلوندل سعد في دراستها
هذه- وهي الأطروحة
التي ناقشتها عام 1996م في جامعة تكساس، وحصلت بموجبها على درجة
الدكتوراة- والذي انعكس في اللغة
الانجليزية وترك تأثيره في الناطقين بهذه اللغة ولا سيّما النخبة الثقافية منهم،
ثم انتقل هذا الكتاب إلى اللغة الفارسية عن طريق ترجمة السيدة فرناز حائري تحت عنوان " معاداة العرب في الأدب
الإيراني المعاصر" ونشر في طهران عام 2003م، ووزّع في كل المحافظات الإيرانية
بعد أن صحّحه، وقدّم له السيد ناصر بور بيرار أحد المثقفين الإيرانيين، وصاحب
السلسلة المشهورة " اثنا عشر قرنا من الصمت"، ولاقى اهتماماً كبيراً
داخل إيران وخارجها، وأثار كثيراً من النقاشات والمحاورات في الأوساط الإيرانية،
حتى أن ناشره السيد ناصر بور بيرار هدد بالقتل، ولله درّ هذا الرجل الذي أنصف
العرب في سلسة كتبه المشهورة:" دوازده قرن سكوت" أي اثنا عشر قرناً من
الصمت، وفي الملاحظات والتعليقات التي كتبها على هامش تصحيحه لهذا الكتاب.
قدِّر لهذا الكتاب ولهذه الظاهرة أن
ينتقلا إلى اللغة العربية؛ إذ بدأتُ بترجمته منذ عام 2006م عن اللغة الفارسية،
وعزمت على وضعه في متناول القارئ العربي، على شكل مقالات قبل أن يصار إلى نشره على
شكل كتاب مستقل؛ حتى يطّلع العرب على الصورة التي بقيت مُغيبة عنهم عشرات السنين؛
ومن حقهم أن يطلعوا عليها حتى لو كانت تقدّم صورتهم بشكل سيء، فقد أعدّ صاحب هذه
الترجمة دراسة موسومة بـ "صورة العرب في الأدب الفارسي المعاصر" اشتملت
على مقدمة وتحليل وإضاءة لهذا الموضوع، بالإضافة إلى ترجمة الفصل الخامس من
الكتاب، ونُشرت هذه الدراسة في مجلة أفكار الأردنية في عددها 227، عام 2007، كما
قام بترجمة الجزء الخاص بصادق هدايت، ونشره في مجلة كلية اللغات والترجمة - جامعة
الأزهر، في عددها 42، عام 2007 ضمن مقالة موسومة بـ: " صورة العرب في الأدب
الفارسي المعاصر: صادق هدايت أنموذجاً"، وبالإضافة إلى ذلك عمل على ترجمة
الفصل الأول من هذا الكتاب ونشره في مجلة أفكار في عددها 235، عام 2008 تحت
عنوان "مدخل إلى صورة العرب في الأدب
الفارسي المعاصر"، كما قدّم عرضاً للكتاب، ومقالة نقدية مفصلة حوله تحت
عنوان: الترجمة والمثاقفة: كتاب معاداة العرب في الأدب الإيراني المعاصر أنموذجاً،
نشرتها مجلة فصول المصرية في ملفها الخاص بالترجمة والتثاقف عدد 74، عام 2008م،
وبدون مبالغة فقد كان لهذه المقالات انعكاسات واسعة على الصعيد الثقافي، وبين
النخبة الثقافية داخل الأردن وخارجه؛ إذ شكَّلت هذه الظاهرة التي بقيت مغيبة عن
العرب عشرات السنوات صدمة للجميع؛ فقد استغرب المثقفون هذه الصورة المشوهة الظالمة
للعرب في الأدب الفارسي المعاصر، وفي عام 2008 اطلعت على مقالة كتبها الدكتور فيصل
دراج في موقع ديوان العرب عرض من خلالها كتاب: "صورة العرب في
الأدب الفارسي الحديث" الذي ترجم إلى اللغة العربية عن الإنجليزية، وقد ترجمه
السيد صخر الحاج حسين وراجعه السيد زياد منى، وصدر عن دار قدمس في دمشق أواخر سنة
2007، ورحت أبحث عن الكتاب، بيد أنني لم
أجده إلى أن وقع بين يدي صدفة أواخر عام 2009 فوجدت أن هذه الترجمة التي تمّت عن
اللغة الانجليزية وليس الفارسية ركيكة وضعيفة، ووقعت في مزالق كثيرة؛ مما قوّى من عزمي على الاستمرار في الترجمة، وكانت
حافزاً من ضمن الحوافز التي شجعتني على نشر ترجمتي، وقد بيّنت الأسباب الأخرى التي
دعتني إلى ذلك في مقالة "الترجمة والمثاقفة" المنشورة في مجلة فصول.
عملت المستشرقة الأمريكية جويا بلوندل
سعد في هذه الدراسة الفريدة من نوعها على بحث موضوع صورة العرب في الأدب الفارسي
المعاصر، ودراسته وتجليته للقارئ، ولحسن الحظ فقد جاءت هذه الدراسة التي تعد شهادة
وسنداً تاريخياً من طرف ثالث، وحسب علمي فلم أر شخصاً آخر بحث هذه الموضوع لا من
العرب ولا من الإيرانيين، على أي حال لقد كشفت هذه الباحثة صورة العرب في الأدب
الفارسي المعاصر، وأماطت اللثام عنها أمام القارئ، عندما قامت بدراسة هذه الظاهرة
وتحليلها في مضانها؛ إذ مضت سنوات طويلة دون أن يعرف القارئ في العالم العربي
الصورة المشوهة والظالمة، التي يقدمها بعض الأدباء الإيرانيين القوميين عن العرب
والمسلمين في كتاباتهم، ولذلك آثر المترجم أن يطلع القارئ العربي على هذه الصورة
في الأدب الفارسي المعاصر، التي تجلت في آثار مجموعة من الأدباء القوميين
المسكونين بالقضية القومية، ووهم العظمة، والأمجاد الغابرة، والمشغولين بالهوية
الإيرانية والشوفينية المقيتة، التي قادتهم إلى تشويه صورة العرب والافتراء عليهم
بصور متنوعة وأشكال متعددة، سوف يطالعها القارئ في هذا الكتاب الذي قد يثير كثيراً
من التساؤلات والنقاشات، وعلامات التعجب والاستفهام، ولعل من أبرزها لماذا بقيت
هذا الصورة مغيبة عنا عشرات السنين؟؟ حتى جاءت هذا المستشرقة، وأماطت اللثام عنها،
على الرغم من كوننا الأقرب إلى الفرس وأدبهم تاريخياً وجغرافياً وثقافياً
ولغوياً؟!
قسّمت الباحثة كتابها إلى خمسة فصول؛ فقد
وسمت الفصل الأول بـ "المدخل" الذي يعدّ تمهيداً للموضوع وتوطئة
للدراسة، وجاء هذا الفصل مشتملاً على المباحث التالية: دور الأدب في تعزيز النزعة
القومية الحديثة، وإيران دولة متعددة الأعراق والقوميات، والنزعة القومية
الإيرانية في القرنين التاسع عشر والقرن العشرين، ومبحث العربي والإيراني، ومن
الجدير بالذكر أن الباحثة عملت على توضيح جذور النزعة القومية في الأدب الفارسي
المعاصر ونشأتها في القرن التاسع عشر، والتطورات التي وصلت إليها في القرن الماضي
في مدخل الكتاب؛ فقد بلغت هذه النزعة أوجها في عهد الأسرة البهلوية (1925- 1979م)،
ومن أجل التأكيد على القضية القومية، وتشكيل الهوية الإيرانية عمل بعض الأدباء
الإيرانيين القوميين على مدح العرق الآري والإعلاء من شأنه، في حين ذموا العرق
السامي وحطّوا من شأنه، وصوروه بأبشع الصور وأكثرها إهانة، تحت وطأة التمييز
العنصري والتطهير العرقي.
بحثت المؤلفة
صورة العرب عند أشهر الأدباء الإيرانيين المعاصرين في الفصل الثاني من الكتاب،
فتناولت نظرة الشعراء والأدباء الرجال وموقفهم من العرب، من خلال الرجوع إلى
آثارهم ومحاكمتها وإظهار موقفهم من العرب، وهي نظرة تقوم - للأسف الشديد- على
الاستهزاء والقدح والذم والازدراء للعرب من جانب، وعلى القومية والشوفينية وحس
الاستعلاء والفخر بالعرق الآري من جانب آخر، وقد جاءت نظرة هؤلاء الأدباء المعادية
للعرب واضحة جلية في آثارهم في مواطن كثيرة وبصور متنوعة، إذ تتبعتها المؤلفة
ودرستها بعمق وتأنٍ؛ فالمؤلفة تعتمد الأسلوب العلمي في دراستها، فهي تلجأ إلى
الاستقراء والاستقصاء والاستدلال واستنطاق النصوص ولا تطلق الأحكام جزافاً؛ فقد
تتبعت صورة العرب وتقصتّها عند كل من: محمد علي جمال زادة (1891 – 1997م) الذي يعد
مؤسس القصة القصيرة في الأدب الفارسي المعاصر، وصادق هدايت (1903–1951) أشهر
الأدباء الإيرانيين في القرن العشرين، وأشدهم كرهاً ومعاداة للعرب والمسلمين، كما
تجلى ذلك في أغلب أعماله، وصادق جوبك (1915 – 1998) ومهدي أخوان ثالث (1927 –
1990) ونادر نادر بور (1928 – 2000).
تناولت الباحثة في الفصل الثالث من
كتابها الذي خصصته للعنصر النسائي موقف الأديبات الإيرانيات من العرب، فعرضت صورة
العرب عند كل من الشاعرة فُروغ فرّخ زاد (1933-1966م) والشاعرة طاهرة صفّار زادة
(1936-2008) والروائية المشهورة سيمين دانشور (1921- 2012) زوجة الأديب الإيراني المعروف جلال آل
أحمد، التي رفدت الأدب الفارسي المعاصر ولا سيّما الروائي منه بآثارها الرائعة،
والعجيب في الأمر أن موقف النساء من العرب جاء مناقضاً ومعاكساً لموقف الرجال
تماماً؟ وهي القضية التي استوقفت الباحثة، وعملت على دراستها وتحليلها، ومن ثمّ
خلصت إلى إن النساء لم يعملن على تناول القضية القومية والهوية الإيرانية في
آثارهن؛ لأن هذه المسألة قضية تاريخية وسياسية تخص الرجال، وقد نأين بأنفسهن عن
الخوض فيها، بل إن هنالك تصاوير إيجابية عن الإسلام تشاهد في آثار بعضهن، ولعل
السرّ في ذلك يكمن في أن العنصر النسائي لم يكن مشغولاً بالقضية القومية والهوية
الإيرانية، التي أرقت الأدباء الإيرانيين، وقضّت مضجعهم، وكانت الشغل الشاغل لهم،
وجعلتهم مسكونين بالهم القومي والإعلاء من شأن العرق الآري.
خصّصت المؤلفة الفصل الرابع من هذا الكتاب
للأديب الإيراني المشهور جلال آل أحمد (1923-1969)، ولذلك عنونت هذا الفصل بـ
"الرجل المعتدل"؛ فقد جاءت
نظرته معتدلة في الدفاع عن القومية الفارسية والهوية الإيرانية، وفي نزعته
الإسلامية حسب وجهة نظر المؤلفة؛ إلا أن ميل جلال آل احمد إلى كل شيء إيراني،
وانزعاجه من كل شيء عربي أدى به إلى أن يطرح "تأرين" الإسلام وجعله
إيرانياً، فهو يُعرّف الشيعة على أنها بؤرة القومية الإيرانية، ويضع الإسلام مقابل
الإمبريالية والمادية الغربية من أجل الدفاع عن الثقافة الإيرانية....، وبناء على
ذلك فإن المدقق في هذا الكتاب يجد أن موقف هذا الأديب من العرب لا يختلف كثيراً عن
موقف الأدباء الإيرانيين الآخرين، ولذلك فإن الباحثة لم تكن موفقة في اختيارها
لعنوان هذا الفصل، ووصفها لجلال آل أحمد على أنه الرجل المعتدل؛ إذ إن كتاباته –
كما ظهرت في النصوص التي قدّمتها المؤلفة نفسها وكما سوف يلاحظ القارئ– أظهرت بشكل
لا مراء فيه أن مواقفه من العرب تزخر بالحقد والضغينة وبعيدة عن الاعتدال والإنصاف،
ولذلك كان الأجدر بالمؤلفة أن تختار عنواناً آخر للفصل الرابع من كتابها، أما
الفصل الخامس من هذا الكتاب فكان خلاصة الدراسة ونتيجتها، وقد لخصت فيه الباحثة صورة
العرب في الأدب الفارسي المعاصر، وموقف الأدباء والأديبات الإيرانيات من العرب،
والنتائج التي انتهت إليها واستخلصتها من دراستها القيمة.
إذا كنا نتحدث عن ظاهرة
معاداة العرب في الأدب الفارسي المعاصر، فيجب علينا أن نضع هذه القضية الاستفزازية
في إطارها التاريخي؛ فقد بلغت النزعة القومية الإيرانية أوجها زمن الشاه محمد رضا
البهلوي، عندما تعاظم الشعور بالنزعة القومية التي وقعت تحت تأثير النزعة القومية
الغربية ولا سيما النازية الألمانية؛ إذ عمل شاه إيران على تغذية الحركة القومية
الإيرانية، ودعمها بكل أشكال الدعم المادية والمعنوية، ولذلك كانت النزعة القومية
التي روّج لها النظام الحاكم إحدى الركائز التي انتهجها شاه إيران في استراتجيات
حكمه، ومما يؤسف له حقاً أن بعض الأدباء والمثقفين الإيرانيين قد أغرتهم سياسة
الشاه والأموال التي كان يغدقها على من يصغي لأوامره ويبث أفكاره المسمومة، فوقعوا
تحت تأثير أفكار الشاه ودعواته إلى تمتين النزعة القومية الإيرانية، وتغليب العرق
الفارسي على غيره من العرقيات والأقليات الأخرى، لكل هذا عمل هؤلاء الأدباء
والمثقفون – تلبية لسياسية الشاه ورغباته- على كتابة آثار أدبية مثلت هذا الاتجاه
القومي القائم على مدح العرق الفارسي الآري والطعن في العرق العربي السامي، وكان
من ضمن هذه الآثار الرواية والقصة والمسرحية والأشعار الكلاسيكية والحديثة،
بالإضافة إلى بعض المقالات والدراسات والكتب الأخرى التي عمدت إلى بث سمومها
وتصوير العرب بأبشع الصور وأكثرها تعسفاً واستفزازاً، وبناء على هذا فإن النتيجة
الواضحة التي يمكن أن يستخلصها المتعمق في هذه المسألة هي أن جذور ظاهرة معاداة
العرب في الأدب الفارسي المعاصر كانت قضية سياسية، قبل أن تكون قضية ثقافية وتنعكس
بهذه الصورة في الأدب الفارسي المعاصر.
أما القضية الأخرى التي
يجب توضيحها فهي أن الأمانة العلمية والدقة في بحث هذه الظاهرة تفرض علينا أن نكون
موضوعيين، وأن لا ننجرف وراء العواطف والمشاعر التي تثيرها هذه المسألة، ولذلك
أسجل هنا هذا الاعتراف، وهو أن معاداة العرب ليست مطروحة من قبل كل المثقفين
والأدباء والكتاب الإيرانيين؛ إذ إن نظرة النخبة الثقافية الإيرانية، ومن ثم
الإيرانيين بشكل عام ليست واحدة للعرب، وبناء على ذلك فإن ما جاء في كتاب الباحثة
والمستشرقة الأمريكية لا يمثل كل الأدباء والمثقفين الإيرانيين؛ إذ إن هنالك بعض
المثقفين والأساتذة الإيرانيين الذين ينظرون إلى العرب نظرة معتدلة بغض النظر عن
ولاءاتهم واتجاهاتهم الإيديولوجية، بيد أن صوت هؤلاء يبقى صوتاً خافتاً، مقابل
الغالبية العظمى من النخبة الثقافية الإيرانية المصابة بداء النزعة القومية،
والجدير بالذكر هنا أن النزعة القومية ما زالت تتجلى لدى كافة الأحزاب والاتجاهات
السياسية الإيرانية: اليسارية، والإسلامية، والقومية بصور مختلفة.
لا شكَّ أن استيلاء العرب على إيران أو الفتح الإسلاميلإيران أوجد حساسية أو لنقل "عقدة نفسية" عند الإيرانيين، ولا سيّما
المثقفين العلمانيين منهم، ثم انعكست هذه المسألة حسب قانون "التعويض
النفسي" إلى حس الاستعلاء العرقي، والخطاب القومي المتشدد، وهذا ما لمسته عن
قرب عند أغلب المثقفين الإيرانيين وليس جميعهم أثناء السنوات السبعة، التي قيض لي
فيها الإقامة في طهران (1997-2004) للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراة في
اللغة الفارسية وآدابها.
إنّ معاداة العرب ليست مسألة جديدة في الأدب الفارسي المعاصر؛ فقد جاءت صورة العرب مشوهة في الأدب الفارسي الكلاسيكي أيضاً، ولعل أبا
القاسم الفردوسي (329 -411هـ) صاحب الملحمة الشعرية المشهورة "
الشاهنامة" هو أول من أسّس لهذه القضية وروّج لها، عندما هاجم العرب ونعتهم
بالحفاة العراة الذين قدموا من الصحراء العربية، والذين كانوا يأكلون الضب
والجراد، ويشربون حليب النوق، ومن ثمّ حمّلهم مسؤولية القضاء على الحضارة الفارسية،
والعصر الذهبي للإيرانيين في مرحلة ما قبل الإسلام.... وإن قيل إن هذه الأبيات
منسوبة إليه، إلا أنها وردت في شاهنامته، وما زالت متداولة على الألسنة حتى يومنا
هذا، ثم حذا حذوه في هذا المجال آخرون مثل: ناصر خسرو (394 – 481هـ) والخاقاني
(500 – 595هـ) وصولاً إلى العصر الحديث،
وأشهر أعلامه: فتح علي آخوند زادة، وآقا خان الكرماني، وأحمد كسروي، وذبيح
الله بهروز، وصادق هدايت، وصادق جوبك، ومحمد علي جمال زادة، ومهدي أخوان ثالث، وبزرك
علوي، والدكتور عبد الحسين زرين كوب، ونادر نادر بور الذي بلغت لديه معاداة العرب
صوراً شتى؛ إذ إنه ازدرى العرب واحتقرهم، ومن ثم عقد مقارنة بين انتصار الثورة
الإسلامية في إيران عام 1979م، والفتح الإسلامي وسقوط الإمبراطورية الساسانية في
معركة نهاوند( فتح الفتوح) سنة 21 للهجرة، وخلص إلى نتيجة مفادها أنه عدّ انتصار
الثورة انتصاراً للعرب، ويا لها من نتيجة مجحفة؟!
لقد استفحلت ظاهرة معاداة العرب في الأدب الفارسي المعاصر بين المثقفين والأدباء الإيرانيين في القرن الماضي - كما يقول ناشر الكتاب
السيد ناصر بور بيرار- والسبب في ذلك أن جذور هذه القضية تعود إلى شاه إيران محمد
رضا البهلوي، وإصغاء الأدباء الإيرانيين لأوامره؛ إذ إن موضوع معاداة العرب لاقى
تشجيعاً من الشاه المخلوع، الذي كان يصدر تعليماته، التي لاقت استحساناً من كل
الأدباء الإيرانيين تقريباً، في حين توسعت هذه الظاهرة بعد قيام الثورة الإسلامية
وكأنها أصبحت نوعاً من إعلان المعارضة السياسية؛ فالمثقفون العلمانيون يعلقون كل
المعضلات، وأشكال التخلف الاجتماعي التي وجدت في إيران في القرن الماضي على كاهل
العرب، الذين دخلوا إيران قبل خمسة عشر قرناً؟!
تجذّرت هذه الظاهرة وتعمق الاتجاه القومي والحس العرقي بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران لدى المثقفين الإيرانيين: القوميين
والعلمانيين بشكل خاص، ولدى الشباب الإيراني بشكل عام؛ فعاد كثير من الإيرانيين
إلى التاريخ الإيراني الغابر يتلمسون هذا الحس، ويبحثون عما يوقد فيهم جذوة الافتخار
بالماضي بكل ما فيه من أمجاد وانتصارات وبطولات....، وللتدليل على هذه المسألة
يكفي أن نشير إلى أن "الشاهنامة" - وهي محط اعتزاز كل الإيرانيين
وافتخارهم، وهي التي تحتوي على التاريخ الإيراني منذ بداياته وحتى سقوط
الإمبرطورية الساسانية إثر معركة نهاوند -
قد طبعت بعد قيام الثورة الإسلامية عشرات المرات داخل إيران؛ في حين أن كل
طبعاتها لم يصل إلى هذا العدد قبل عام 1979،
وفي هذا الأمر إشارات عميقة ودلائل واضحة على كثير من القضايا التي يمكن أن
تثيرها هذه المسألة؛ فهي تشي بالتوجهات القومية لدى الشباب الإيراني وعودتهم إلى
الماضي الجميل والتاريخ العريق؛ بحثا عن الهوية المفقودة والأمجاد الغابرة،
وهروباً من الواقع المرفوض؛ علّهم يجدون فيه متنفساً لميولهم المكبوحة ونزعاتهم
القومية المتأججة نحو التغيير والاستعلاء، وبناء على هذا جاءت ظاهرة معاداة العرب
في الأدب الفارسي المعاصر معبرة عن موقف الإيرانيين من العرب الذين قوضوا الحضارة
الفارسية التليدة وهدموا مقوماتها، ومرتبطة بالهوية الإيرانية، والحس القومي
والعرقي ونبعت منهما، ومن ثم جاءت صورة العرب في النصوص الفارسية مشوهة؛ فهم سكان
البادية المتوحشون الجاهلون بكل مظاهر المدنية، الذين يأكلون الضب والجراد،
ويشربون حليب النوق، ويقترفون كل الجرائم والآثام، والذين لا تردعهم أخلاق أو دين
عن ارتكاب المعاصي وإدمان الملذات والشهوات.
إنّ القضية الأخرى التي يمكن أن تثار في هذا
المضمار، وفي إطار الحديث عن النزعة القومية والهوية الإيرانية والحس العرقي هي أن
المجتمع الايراني مجتمع خليط من قوميات مختلفة؛ إذ إن هنالك الفرس، والأتراك،
والأكراد، والعرب، والتركمان، واللر، والبلوش، والأشوريين، والأرمنيين واليهود،
وكلهم يتكلمون بلغتهم الخاصة، بل إن هنالك نسبة كبيرة من سكان إيران لا يتكلمون
الفارسية، وبعضهم لا يعرفون الفارسية وهم يعيشون داخل إيران؟! فما هي القومية
الفارسية، أو الهوية الإيرانية التي ينادي بها البعض منهم؟! والعجيب في الأمر أن
بعض الإيرانيين عندما يذكرون كلمة العرب، يتبادر إلى أذهانهم العرب الذين يعيشون
في الدول العربية في منطقة الخليج العربي وبلاد الشام، وينسون العرب الذين يعيشون
داخل إيران، والذين يزيد عددهم على ثمانية ملايين نسمة.
إنّ صورة العرب في الأدب الفارسي المعاصر
كما تجلت في كتاب المستشرقة الأمريكية صورة متعسفة ظالمة أساءت إلى العرب مرات
عديدة: الأولى عندما تجنى بعض الأدباء الفرس القوميين على العرب في الأدب الفارسي،
وألصقوا بهم كل التهم والافتراءات وأشكال التخلف الأخرى، والثانية
:الصورة
التي قدمتها الباحثة في كتابها للناطقين بالانجليزية، فكل من يقرأ هذا الكتاب من
الناطقين بالانجليزية وغيرهم سوف يقع تحت تأثيره، ومن ثم سوف تكون نتيجته تكوين
صورة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها صورة مشوهة ظالمة، والثالثة: الدهشة والصدمة
للقارئ العربي وهو يقرأ هذا الكتاب سواء كان ذلك باللغة الانجليزية أو الفارسية أو
العربية، ومن ثم فإن موضوع هذا الكتاب شكل ظاهرةً بدأت باللغة الإنجليزية مروراً
بالفارسية والعربية وانتهاء بلغات أخرى قد يترجم إليها هذا الكتاب؛ ولذلك فإن هذه
الظاهرة التي أخذت تتوسع وتنتشر تتجاوز اللغة والثقافة الواحدة، وتنطلق من خلال
الترجمة والمثاقفة وحوار الحضارات إلى العالمية، وأنّى لنا أن نقف أمامها؟ حقاً
إنها قضية تتطلب من الباحثين المتخصصين من أبناء العربية، والمنصفين من مثقفي
الأمم الأخرى التوقف والتأمل والتدبر ملياً أمامها؟ ومن ثم بحثها ودراستها بطريقة
عقلانية تقوم على المنهج العلمي السليم القائم على الاستقصاء والتنظيم لا على
العواطف والمشاعر، والسؤال الكبير الذي يلح علينا هو: إذا كانت صورة العرب هكذا في
الأدب الفارسي المعاصر فكيف هي في آداب الشعوب والأمم الأخرى؟!
الفصل الخامس
من الواضح أن النزعة القومية كانت الموضوع الرئيس
في الأدب الفارسي المعاصر؛ فقد كان بعض الكتّاب الإيرانيين يلجأون إلى تصوير العرب
بمظهر الأجنبي من أجل العثور على مفهوم للشخصية الإيرانية، وتعريف أنفسهم على أنهم
إيرانيون، وتقديم إيران على أنها أمة، ولذا فإنهم يضعون العرب الأجانب مقابل
الشخصية الإيرانية، كما يأخذ بعضهم الاختلافات العرقية واللغوية في عين الاعتبار،
ويضيف إليها البعض الآخر الاختلافات المذهبية والتاريخية والثقافية، ولما كانوا
غير قادرين على النقد المباشر للأنظمة، فقد اتخذوا من العرب الأجانب قناعاً
للإسلام، ومن الغرب الأجانب قناعاً للنظام الملكي.
يجب الأخذ
بعين الاعتبار أن العثور على مفهوم النزعة القومية لا يمكن إدراجه في الجانب
اللغوي، وأن القسم الأصلي لتشكيل الهوية القومية "الإيرانية" جرى في
القرن العشرين، وفي الحقيقة-كما يقول بنديكت اندرسون(1)- "فإن
رواج القومية الإيرانية في المسائل الأدبية والسياسية في القرن التاسع عشر والقرن
العشرين أدى إلى إيجاد إيديولوجية الأمة؛ ففي اعتقاده لا يمكن تشكيل مفهوم الأمة
ضمن المعايير الخارجية والانتزاعية، والأحداث الاجتماعية، وفي الواقع فإن الأمة هي
"المجتمع السياسي المتصور"(2)، وبناء على ذلك فإن الآثار
الأدبية ردة فعل، وقسم من الخطاب الإيديولوجي، وجزء من تشكيل القومية الإيرانية،
وتكوين إيران على أنها أمة عصرية.
استعمل الخطاب القومي الإيراني بهدف
العثور على مفهوم لإيران على أنها أمة، وتشكيل القومية الإيرانية، وإحدى طرق
الوصول إلى مفهوم الشخصية الإيرانية تعريف الأجنبي- الغرب، والإسلام والعرب- من
حيث اللغة والعرق والتاريخ والثقافة والدين والإيديولوجيا(3)، ومن هنا
فإن شاهرخ مسكوب يضع الشخصية الإيرانية مقابل العرب الأجانب، ويعد اللغة الفارسية،
وتاريخ ما قبل الإسلام جوهر القومية الإيرانية؛ في حين يعدُّ منوجهر دراج أن
الشيعة هي النواة المركزية للقومية الإيرانية، ويضع الشخصية الإيرانية مقابل الغرب
الأجانب، وهاتان النظريتان نتيجة لمفهومين مختلفين من القومية الإيرانية.(4)
يعدُّ ليون بولياكف الأنموذج الغربي للقومية
مبنياً على أساس الأساطير المشتركة، وتتم القرائن العنصرية في هذا الأنموذج على
أساس شواهد علم اللغة، ومن ثم فإنه يقترح العودة إلى العصر الذهبي في مرحلة ما قبل
الإسلام، على أنه الحل للعثور على الطهارة العرقية واللغوية والثقافية، ومن هنا
فإن القومية الغربية سادت مع الأفكار العنصرية، المبنية على أفضلية العرق
"الآري" على العرق "السامي"، والمضمون الأصلي للعنصرية فكرة
"الطهارة" التي تدين القومية المتعددة الأعراق في الأنموذج الغربي،
والملاحظ أن قومية شاهرخ مسكوب مبنية على أساس الأنموذج الغربي، وهذه هي القومية
التي كان النظام البهلوي يعمل على الترويج لها، غير أن منوجهر دراج يفسر القومية
الإيرانية بناء على الإيديولوجية الإسلامية التي تكونت في الستينيات والسبعينيات
من القرن الماضي(5)، وبالطبع فإن هذه النظرية إسلامية أكثر منها قومية،
وتحلل النظرة إلى الأجانب في ظروف إيديولوجية، وهذه هي النظرية التي عكستها
الجمهورية الإسلامية أيضاً.
ظهرت هذه المفاهيم للقومية الإيرانية في
الخطاب الإيراني المحلي بناء على الشخصية الإيرانية، والعربية، والغربية الأجنبية،
والتشكيلات القومية الإيرانية؛ إذ إن الفارسي والإيراني واحد في قصة "محمد
علي" جمال زادة "الفارسية سُكّرْ"؛ في حين أن العربي (أو
الفرنسي أو الأذري) أجنبي، ومع هذا فإن جمال زادة يعد الإسلام على أنه القسم
الجوهري للهوية الإيرانية، ويلوم تخلف الإسلام، ويدين الغرب على أنه أجنبي، كما
يتناول العربي الأجنبي، والخرافات المذهبية، والتخلف، ويقدم الشخصية الإيرانية على
أنها فارسية ومسلمة، وعلى الرغم من أن لقوميته أنموذجاً غربياً، وتقوم على أساس
اللغة والهوية المشتركة، إلا أنه لا يؤيد العنصرية الغربية.
إنّ صادق هدايت مشمئز من
العرب ومن الإسلام لأنه دين أجنبي؛ إذ إنه يقدّم العرب في قصة" طلب
الغفران"، ومسرحية "بروين ابنة ساسان" على أنهم أناس ذوو بشرة
سوداء، وقذرون ومرضى وقبيحون وجهلة، وظلمة لا يعرفون الحياء، ويتصفون بصفات
الشياطين، ويعد مسلمي إيران في تلك الأيام فاسدين وأهل رياء، كما يعتقد أن
الإيرانيين الساسانيين هم فقط أصحاب جمال وشجاعة وذكاء وحكمة وأصالة، ويعرف إيران في
مرحلة ما قبل الإسلام والزرادشتية على أنها العصر الذهبي، ومن وجهة نظره فإن
الهوية الثقافية الحقيقية لإيران مرتبطة بالهند"الآرية"، وقد اندثرت هذه
الهوية الثقافية عن طريق العرب المسلمين الغزاة، وهؤلاء العرب الهمجيون ذوو
الثقافة المتعطشة للدم هم الذين فرضوا دينهم(6) بديلاً عن الحضارة
الإيرانية المتميزة، وقد مُدح صادق هدايت على أنه كاتب يعبّر عن القيم الإنسانية
الراقية، وعلى أنه مناصر للتمييز العنصري الغربي ضد السامية.
تختلف نظرة صادق جوبك قليلاً عن
نظرة صادق هدايت؛ إذ إنه يبحث عن أسباب عدم التجذر، والضياع الإيراني في التاريخ
في رواية"سنگ صبور"(الحجر الصبور) فيقول: "إن العرب المسلمين قضوا على الثقافة
الإيرانية العظيمة، دون أن يستطيعوا إحلال شيء مكانها؛ إذ إن انفصال الإيرانيين عن
تاريخهم وثقافتهم وفنهم الحقيقي أدى إلى معاناتهم بصورة فردية وجماعية، ولذلك جاءت
شخصيات صادق جوبك تصويراً لأفكاره العنصرية، وتعصبه ضد العرب إلى حد ما، كما عرّف
العرب (والهنود) الأجانب على أنهم أناس مراوغون وقبيحون وظالمون، وفي المقابل دافع
عن الشخصية الإيرانية المصابة بخدعة العرق السامي؛ أي الإسلام، ففي اعتقاده أن
الطقوس الشيعية وسائل للظلم والعدوان فقط، ومع هذا فإنه لا يناصر الشوفينية
الإيرانية، كما أن الزرادشتية وتاريخ الملوك الإيرانيين ليسا حلاً لهذه المسألة،
وفي النهاية فإنه لا يفرّق بين الإسلام والزرادشتية ويرد كليهما؛ فهو يرفض الإسلام
لسببين: الأول أن الإسلام دين، والدين لا يستطيع أن يحلّ كل القضايا، والثاني أنه
دين عربي، وما من جواب لدى صادق جوبك، وفي الحقيقة فإن الحياة في إيديولوجيته لا
معنى لها، وعلى الرغم من أن اليأس الوجودي والغربة التاريخية والثقافية سؤال
عالمي، واليأس الوجودي أكثر ارتباطاً بالشخصية من الهوية، إلا أن صادق جوبك يدرج
كل هذه القضايا في المقولة الوجودية، كما يرفض الآرية ويؤيد الفكرة المضادة
للسامية.
يَعدّ مهدي
أخوان ثالث- مثل صادق هدايت- العرب المسلمين الغزاة مقصرين في القضاء على
الهوية الثقافية الحقيقية لإيران، ويأمل بعودة الثقافة والعظمة الزرادشتية، التي
كانت سائدة قبل الإسلام؛ فقد عمل على إبراز هذا الحل في "آخر
الشاهنامة"؛ إذ صور في هذه المجموعة الشعرية الطعن في الشخصية الإيرانية
الطاهرة والجميلة من قبل العرب الغرباء، ولذلك فإنه يتبنى موقفاً متشدداً مقابل
التأثيرات "السامية والعربية والإسلامية"، كما أنه يشاطر صادق هدايت في
فكرة العرق الأرى الأفضل من العرق السامي الوضيع.
يضع نادر نادر بور العرب والإسلام
في مواجهةالقيم والثقافة الإيرانية الحقيقية، ومن ثم يدينها؛ فهو يًقدّم العرب
على أنهم أناس ذوو بشرة سوداء، ومتوحشون، وغير إنسانيين، ومرتبطون بالصور الدموية،
ويضعهم مقابل الشخصية الإيرانية الصانعة للحضارة الإيرانية المتلألئة، والمرتبطة
بنار زرادشت والشمس والنيروز.
يرفض نادر نادر بور الإسلام لأنه دين
عربي، ومن ثم فإنه يعدّه ظالماً ومتخلفاً، ويعقد مقارنة بين تأسيس الجمهورية
الإسلامية، وفتح العرب المسلمين لإيران في مواطن متعددة من آثاره؛ فهو يعتقد بأن
تأسيس الجمهورية الإسلامية استمرار للهزيمة الثقافية الإيرانية مقابل جهل العرب؛
وبناء على ذلك فإن المسلم المؤمن أو المؤيد للجمهورية الإسلامية الإيرانية عربي،
أي أنه غير إيراني، وبالطبع غير إنساني من وجهة نظره، وفي النهاية يمكن القول إن
لدى نادر نادربور نظرة معادية للعرب والإسلام مثل صادق هدايت، وصادق جوبك، ومهدي
أخوان ثالث أيضاً.
يحصر الكتّاب الرجال القومية الإيرانية في
الأنموذج القومي
الغربي، وهم جميعاً يؤكدون أهمية الأساطير المشتركة، والتشابه
اللغوي، ومن ثم التشابه العرقي، ولجميعهم موقف من العرق السامي باستثناء محمد علي
جمال زادة الذي هو من الأسياد ذوي الأصول العربية؛ فهم يضعون الشخصية الإيرانية
مقابل العرب الغرباء، وكما أن العرب غرباء عندهم، فإن الإسلام غريب أيضاً؛ غير أن
آثار النساء تعكس نظرة مختلفة تماماً فيما يتعلق بالنزعة القومية.
عملت فروغ فرُّخ زاد على تناول
قضية العربي والإيراني في أشعارها، لأن هذه المسألة قضية تاريخية وسياسية تخص
الرجال، وفي النتيجة فإنها لا تقع ضمن اهتماماتها لأنها امرأة؛ إذ إنها لا تحتاج
إلى إثبات هويتها الثقافية عن طريق عدّ الآخرين غرباء، ولا نجد في أشعارها العرب
أو الإيرانيين، بل هنالك شخصيات موجودة فقط، وإذا كانت فروغ فرُّخ زاد لا تعتقد
بالإسلام مثل صادق هدايت، وصادق جوبك، ونادر نادربور وتنتقد طقوس الإسلام، خاصة في
"عروسك كوكى" (الدمية كوكى) و"دل ام براى باغچه من سوزد" (قلبي يحترق من أجل الحديقة)، إلا أنها على العكس من صادق هدايت وصادق جوبك تدين هذه
العادات على أنها طقوس ذاتية لا طقوس غرباء؛ إذ إن المذهب هو خطأ الأم في (قلبي
يحترق من أجل الحديقة)، بينما خطأ الأب التاريخ، وهي توجّه اللوم إليهما بالدرجة
نفسها، وعلاوة على هذا فإن هنالك تصاوير إيجابية عن الإسلام تشاهد في آثارها؛ فعلى
سبيل المثال فإنها لا تشترك في بحث الخطاب القومي في "كسى كه مثل كس
نيست" (شخص ليس مثله شخص آخر) خلافاً لكتّاب موضوع الدراسة، ولعل السبب في
ذلك يعود إلى أن علل تعصبها يرجع إلى معاداة الإسلام وليس العرب.
إنّ طاهرة صفار زادة مسلمة مؤمنة،
إلاّ أنّ الإسلام في نظرتها ظاهرة عالمية، وليس للعرب وحدهم؛ إذ إن الرسالة التي
تطرحها في كتاباتها أنها مسلمة من الدرجة الأولى، ومن ثم فهي إيرانية، وقوميتها
تعني الجغرافيا، واللغة، والثقافة، والتاريخ التي أوجدت جميعها أرضية ينتهي فيها
كل شيء إلى الإسلام؛ ولقد جاءت الخصوصيات الفارسية والإيرانية، وغير الفارسية
والإسلامية إلى جانب بعضها البعض في الأشعار التي أنشدتها حول إيران في كل من
"خم پشتان" (المنحنون) و"سفر عاشقانه" (رحلة
عشق)، ومن الملاحظ
أننا لا نجد في تصاوير طاهرة صفار زادة العرب الغرباء؛ بل إن العرب الذين يظهرون
في أشعارها أناس مظلمون، وتخاطبهم على أنهم أخوة في كل من "از معبر سكوت
وشكنجه" (من معبر الصمت والتعذيب) و"دل تنگى" (القلب الضجر).
إنّ الملاحظة المهمة في آثار طاهرة صفا
زادة تعود إلى نظرتها التاريخية التي ابتعدت عن نظرة صادق هدايت، وصادق جوبك،
ومهدي أخوان ثالث، ونادر نادربور بشكل جذري؛ فقد صورت العرب في "سفر
سليمان" على أنهم دعاة الحق وحرية الإسلام الذين كان الإيرانيون في انتظارهم،
وليس هنالك شيء عن الحرب وسفك الدماء وفتح إيران.
قدَّمت طاهرة صفار زادة سلمان الفارسي على
أنه أنموذج ومثال للمسلمين الفرس، كما كان بلال أنموذجاً للأفارقة، وصهيب أنموذجاً
للأوروبيين؛ فهؤلاء أصحاب الرسول الذين لا تعني جنسياتهم أي أهمية، إلا عندما تصبح
الخصوصية العالمية للإسلام عميقة فقط، كما أن هذه الشاعرة لا تعتقد بالتناقض بين
العربي والإيراني، وفي مقابل ذلك تعمل على طرح التناقض الإيديولوجي مع الامبريالية
والمادية الغربية، وإيديولوجيتها تنبع من الأنموذج الإسلامي، وليس فيها أثر من
القومية الغربية والأفكار العنصرية.
جاء تعريف سيمين دانشور للقومية
الإيرانية مختلفاً عن الآخرين، ولذلك كان تعاملها مع العرب مختلفاً أيضاً، إذ إنها
مطلعة على وجود الاختلافات العرقية في إيران ، وترى أن الوحدة بين هذه القوميات
تكمن في الأساطير والدين المشترك، فالأساطير الإيرانية ترتبط مع الأساطير
الإسلامية في نظرتها، ومن خلال هذا التركيب تكونت الثقافة الإيرانية المشتركة، وهي
تعد الخصوصيات العربية الإسلامية في الثقافة الإيرانية، إيرانية؛ إذ إنها تطرح هذا
المضمون بشكل جميل في رواية "سووشون" كما عُرض في قصة
"الفارسية سكر" و"كيد الخائنين" لجمال زادة، والفرس والأتراك
وعرب إيران موجودون في آثارها، إلا أن العرب ليسوا غرباء؛ فالعرب في رواية
"سووشون" عرب فقط، وموقفها من الإمبريالية الغربية مثل موقف جلال آل
أحمد وطاهرة صفار زادة أيضاً، والنظام البهلوي مظهرها في إيران، على أي حال إن
نظرة سيمين دانشور مختلفة كثيراً عن قومية الرجال وعنصريتهم.
لا بدَّ من الأخذ بعين الاعتبار أن النساء
لا يتناولن القومية الغربية والأفكار العنصرية، على العكس من محمد علي جمال زادة،
وصادق هدايت، ومهدي أخوان ثالث، ونادر نادربور، وجلال آل أحمد؛ إذ إنهن لم يستعملن
كلمات "الآري" و"السامية" إطلاقاً، وقبلن التنوع العرقي في
إيران؛ في حين أن الرجال يعدون الفرس مساوين للإيرانيين، بيد أنه يجب التذكير بأن
هنالك بعض الكتّاب الرجال الذين كانوا موجودين في هذه المرحلة لم ينكروا التنوع
العرقي، ومن ضمن هؤلاء صمد بهرنكي ورضا براهني و"غلام حسين" ساعدي،
ومع ذلك فإن القومية تبدو مفهوماً أكثر ذكورياً، ولعل السبب في ذلك يعود إلى تاريخ
إيران وسياسة رجالها، ومن أجل التدليل على هذه القضية يمكن التذكير بالقومية
الغربية التي تتميز بالنزعة التسلطية للكبار؛ إذ إن صادق هدايت يتهم العرب بالتعسف
الجنسي، ويصور صادق جوبك الاختلاط العرقي في آثاره؛ في حين يركز جلال آل أحمد على
جنسية العرب، وانعدام الجمال عند نسائهم، ويعرف الرجال العرب على أنهم عرب (ضمن
نطاق القومية) والنساء العربيات على أنهن نساء (ضمن نطاق الجنسية)، وهذا هو
المضمون الأصلي للقومية الغربية التي تعني "الطهارة" العرقية، والتي عبر
عنها بالطهارة الجنسية التي فرضت عن طريق الرجال، وفي النتيجة فإن "الاختلاط
العرقي" تعرّض للمرأة والرجل.
إن وجهة نظر جلال آل أحمد تقع بين
نظرة الرجال والنساء التي بحثناها؛ فهو يقف على المسافة نفسها من حيث الدفاع عن
القومية الإيرانية والإسلام، وبالطبع فقد انطلق من بنية القومية الغربية باتجاه
الإسلام، وغيّر موقفه من العرب بعد عام 1967م.
بذل كلّ من صادق هدايت، ومهدي أخوان ثالث،
ونادر نادر بور المساعي الحثيثة لتعريف القومية الإيرانية على أساس الهوية
الثقافية "الآرية" قبل الإسلام، وعملوا مع صادق جوبك على انتقاد الإسلام
وحضور العرب على أنهم "ساميون" غرباء، وعلى الرغم من رفض الإسلام من قبل
جلال آل أحمد في بداية الأمر، إلا أنه يضع الشيعة إلى جانب اللغة والثقافة
الفارسية، على أنها الخصوصيات الجوهرية للقومية الإيرانية، وهو يعدّ الشيعة -
كمحمد علي جمال زادة- على أنها تمثل إيديولوجية أغلب الإيرانيين، في حين يلوم
الخرافات وشرعية العنف ويحترم السلوكيات الأخلاقية، وجلال آل أحمد مطلع على قدرت
الإسلام على أنه السلطة السياسية والاجتماعية في إيران وفي العالم، ولا سيَّما
الدول النامية، كما أنه يحترم اللغة العربية، خاصة في قصتي: "زيارت"
(الزيارة) و"خسى در ميقات" (ذليل في الميقات) على أنها لغة الدين
ولغة سحرية، بالإضافة إلى أنه يعدّ اللغة العربية لغة المسلمين المشتركة، ووسيلة
قوية لاتحاد الدول الإسلامية.
إنّ جلال آل أحمد لا يقبل الإيديولوجية
الآرية والنظرة التاريخية التي نشأت عنها، ولا يعمل على مدح الإمبراطورية
الساسانية، على أنها العصر الذهبي في التاريخ الإيراني، ويُعرّف الإسلام على أنه
مذهب إيراني في الأصل، ومرتبط بإيران باسم سلمان الفارسي؛ إذ إنه يعد الانتشار
الإسلامي الأولي مديناً لهذا الرجل، ويقول بوجود مشتركات بين الإسلام ومزدك وماني،
ويعتقد أن الإسلام الحقيقي ظهر مع الوصول إلى إيران.7)
لقد أدّى ميل جلال آل أحمد إلى كل شيء
إيراني، وانزعاجه من كل شيء عربي إلى طرحه فكرة "تأرين" الإسلام وجعله
إيرانياً(8)؛ فهو منزعج من العرب على أنهم أناس بدو، وجاهلون، وطماعون،
ومخادعون، ومتوحشون، وذوو أخلاق سيئة، وقذرون، كما ظهر في كل من "الجمارك
والمكوس" و"ذليل في الميقات"، ومن ثم فإن نظرة جلال آل أحمد
تبرز فقط عن طريق المصالحة بين القومية الثقافية الإيرانية مقابل العرب الغرباء،
والإسلام مقابل الإمبريالية الغربية، ولا مناص من جعل الإسلام غير عربي.
تغيرت انتقادات جلال آل أحمد للعرب رداً
على حرب 1967م، فعلى الرغم من أنه مدح بداية تقدُّم إسرائيل؛ إلا أنه عرّف إسرائيل
بعد الحرب على أنها ممثل الإمبريالية الغربية، ودان احتلال الصهاينة لفلسطين في "اقتربت
الساعة"، وهكذا فإنه عمل على نقض وجهات نظره السابقة المعادية للعرب؛
فالعرب يخرجون من نطاق الأجنبي، وهو يدافع عن الشخصية الإسلامية الأفضل مقابل
الإمبريالية الغربية، وبهذا فإن نظرته تقترب من نظرة طاهرة صفار زادة في القضية
القومية الإيرانية؛ إذ إنه يعرّف الشيعة على أنها محور الهوية الإيرانية، ويجعل
الإسلام مقابل الإمبريالية والمادية الغربية، من أجل الدفاع عن الثقافة الإيرانية
وإنسانيتها.
استعمل الخطاب القومي الفارسي السياسي
والأدبي بهدف تعريف إيران على أنها أمة، وتشكيل بنية القومية الإيرانية، بيد أن
القضية الأخرى هي قبول القومية الغربية، فقد:"جاءت فكرة القومية إثر ظهور عدم
صحة إدعاء الاستعمار المبني على عجز الناس المتخلفين ثقافياً عن إدارة شؤونهم في
ظروف عالم اليوم، بينما تكذّب القومية أفضليت فرضية الشعب المحكوم تحت الاستعمار،
وتدّعي أن الأمة المتخلفة تستطيع-عن طريق كسب هويتها الثقافية - أن تصبح عصرية مجدداً،
وبناء على ذلك يبرز هذا الخطاب الذي يتحدى السيطرة السياسية للاستعمار، ومن ثم
تقبل القومية القيام بوظائف التنوير "العصري" الذي هو أرضية الاستعمار".(9)
إنّ التناقض الأساسي الموجود في القومية
الإيرانية هو أنها ردّة فعل على الإمبريالية الغربية، على الرغم من استعمالها
الأفكار الغربية لتعريف القومية الإيرانية، و"التغريب" أي عد الآخرين
غرباء أحد الحلول المطروحة في فكر القوميين؛ إذ إن الأجنبي يتجلى في العرب
والإسلام لدى بعض هؤلاء القوميين، وبناء على قبول هوية الغربيين على أنهم أصدقاء
الأمة "الآرية"، فإن العصرنة وواردات الثقافة الغربية أمر موجّه، ومن
هنا فإن الغرب لا يعد أجنبياً، ولم يقف مثل هذا التيار مقابل القومية الإيرانية،
بل إنه عُدّ ثقافة ذاتية في بعض الجوانب، ولذا فإن إثبات الأساطير ذات الجذور
الإيرانية المشتركة، والخصوصيات العرقية (الآرية) واللغة الهندوأوروبية كان
استمراراً لقبول الهوية الغربية؛ وفي الحقيقة فإن أساطير العصر الذهبي قبل الإسلام
أتاحت لإيران أن تقع في إطار الأنموذج القومي الغربي، دون أن تهتم بفرض الإخلاص
لتلك اللغة والثقافة المشار إليها على طبقات المجتمع المختلفة.
ظهرت الإيديولوجية الإسلامية في الستينيات
والسبعينيات من القرن الماضي في إيران نتيجة "للجهود الموزونة لعلي شريعتي
ومؤيديه لتسييس الإسلام، وتمّ إبراز الإيديولوجية الإسلامية لمواجهة أفضلية
الإيديولوجية الغربية المتنفرة من الدين في الحياة السياسية"(10)،
وبدلاً من أن تسعى الإيديولوجية الإسلامية إلى حل التناقض الموجود في الخطاب
القومي الغربي، فقد رفضته جملة وتفصيلاً، وبالطبع يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذه
الإيديولوجية كلها كانت إيرانية في الأساس.
"إنّ الثورة الإيرانية التي حدثت عام
1979م لم تكن دعوة للتغيير؛ بل إنها-كما يقول ارندت(11) وبنجامين(12)-
دعوة لإعادة البناء، وتوقف الخطوات السريعة نحو التطور، وإحياء الرموز
الثقافية التقليدية؛ فقد ظهرت الثورة ورموزها وزعماؤها من بين طبقات المجتمع
الإيراني، وتمّ تعريفهم من خلال التقاليد السياسية المقدسة والمعايير الثقافية
المسموح بها، كما كان العلماء يمثلون قسماً من الهوية الإيرانية غير الغربية، وما
كان يدعى بـ "الأصالة الإيرانية"؛ فمنذ سنة 1772م كانت الشيعة بؤرة
الهوية الثقافية لأغلب الناس".(13)
إنّ الشيء الذي يؤخذ على القومية
الإيرانية في العصر الدستوري (كما هو الحال في الكثير من الدول الأخرى) ردّة الفعل
على الإمبريالية الغربية، عن طريق استعمالها الأفكار الغربية؛ أي اللغة والثقافة
والجذور المشتركة لتعريف القومية الإيرانية، ولذا فإن أهمية الثورة الإسلامية
الإيرانية تكمن في سعيها لتكذيب الأفضلية السياسية، والاقتصادية، والثقافية،
والإيديولوجية الغربية، ولا شك أن مثل هذه الدولة تكذيب لوجهات نظر صادق هدايت،
وصادق جوبك، ومهدي أخوان ثالث، ونادر نادر بور، وجواب على قضية الإسلام والقومية
الإيرانية.
يقول بوليكوف: "إن التنظير الآري
يرتبط في الواقع بالتقاليد المضادة للروحانيين والأفكار المظلمة"(14)،
كما نضجت الأفكار القومية والعنصرية العلمية بهدف استبدالها بالأحكام المسيحية؛ إذ
"إن ميل السلسلة الحاكمة إلى إدعاء الأفضلية والاستعلاء العرقي كان متضاداً
مع أسطورة آدم دائماً على أنه أبو البشر؛ أي الأسطورة التي أرادت أن تعلم الناس
المساواة طبق رأي المدافعين الأحبار؛ فقد كانت التقاليد اليهودية- المسيحية ضد
التمييز العرقي وضد القومية، وساعدت الأنظمة والعادات الاجتماعية الكنيسة كثيراً
في القرون الوسطى لتطبيق هذه الفكرة، عن طريق سلسلة المناصب المتماثلة والإقطاعية،
وإذا كان الناس متساوين عند الله، فإن الاختلافات الجغرافية والطبقية لا يجب أن
توجد في قيم الإنسان تغييراً".(15)
إنّ التجربة الإيرانية- بناء على هذا-
توازي التجربة الأوروبية، وهكذا وقفت الكنيسة (نظرياً) مقابل القومية والتمييز
العرقي، كما اتخذ الأنموذج السياسي للإسلام، ونظام الخلافة الإسلامي (نظرياً)
موقفاً مقابل القومية والعنصرية أيضاً، ولم يكن هذا الأنموذج الإسلامي السياسي،
ونظام الخلافة الإسلامي شبيهاً بالأنموذج الغربي للقومية السياسية؛ فقد كان أنموذج
الخلافة وفياً للأمة المسلمة، وقابلاً للتنوع العرقي والقومي الثقافي، ومن هنا فإن
الإسلام كان أفضل وسيلة لحفظ اتحاد الأمة بناء على التنوع العرقي في إيران.
لقد طهّر جلال آل أحمد قلمه بآية من
القرآن الكريم ذكرها في نهاية كتابه: "غرب زدگی" (التغرب)، ولذلك اسمحوا لي أن أنهي هذا الكتاب
بهذه الطريقة أيضاً:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ".(16)
الهوامش والتعليقات
(2) Benedict Anderson, imagined communities:
Reflections on the origin and spread of nationalism (London: verso, 1983) cited
by partha chatterjee, nationalism thought and the colonial world: A derivative
Discourse (London: zed, 1986) pp 19-21.
(3) See M.R. Ghanoon parvar, in a
Persian Mirror: images of the west and westerners in iranian fiction (Austin:
university of Texas press, 1993).
(4)
النتيجة الواضحة انه ليس لدينا حتى الآن تعريف جامع لقوميتنا في أي مفهوم، وهذا
المأزق في تعريف الهوية الإيرانية نتيجة مباشرة لتقليد حركة التنوير الإيرانية
لتلقينات المستشرقين والمختصين في الشؤون الإيرانية وأغلبهم من اليهود، والنتيجة
النهائية الاقتتات عليهم، وهذه مقولة جديدة بشكل كامل، ولا يزيد عمرها على قرن
واحد.
(5) Manochehr Dorrag, from zarathustra to knomeini:
populism and Dissent in Iran (Boulder, Co :lynner, 1990) P .111.
(6) لا بد من الاشارة هنا الى ان الباحثة تخلط بين المذهب والدين
(المترجم).
(7)
إن قبول الواقعية والشخصية التاريخية لمجموعة من الأسامي المغمورة كـ: سلمان الفارسي،
ومزدك، وماني، وزرادشت، وأبو مسلم الخراساني و... أصبح صعباً جداً، مع طرح مباحث
جديدة في موضوع "أساس إيران التاريخي".
(8) لقد وصلت مثل هذه الحالات من المسخرة والعنصرية
أحياناً إلى درجة أثارت هذا الظن، وهو أن نبي الإسلام ربما يكون إيرانياً ويتحدث
باللغة الفارسية، وأن النسخة الأولى من القرآن نزلت باللغة الفارسية !!! (المصحح).
(9) Partha chatterjee, Nationalism thought and the
colonial world, P 30.
(11) Arendt.
(12)
Benjamin.
(13) Dorraj, from zarathustra to Khomeini, P . 111.
(14) Leon
poliakov, The Aryan Myth: A history of Racist and Nationalist ldeas in Europe,
translated by Edmund Howard (New York: meridian, 1977) P .328.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق