الخميس، 14 ديسمبر 2023

 عرار شاعر الأردن الكبير واللغة الفارسية


الكلمة التي ألقيتها في ندوة "عرار واللغة الفارسية" التي أقامها قسم اللغات السامية والشرقية بالتعاون مع كرسي عرار للدراسات الثقافية والأدبية ومديرية ثقافة إربد يوم الثلاثاء الموافق 2022/11/8م في رحاب جامعة اليرموك

أرحب بكم أجمل ترحيب في رحاب جامعة اليرموك، وفي حضرة شاعر الأردن الكبير عرار؛ فعلى الرحب والسعة وأهلاً وسهلاً بالجميع، أما بعد:
فبمناسبة انتخاب الشاعر الأردني الكبير مصطفى وهبي التل" عرار"( ١٨٩٩ - ١٩٤٩م) رمزاً وعنواناً للثقافة العربية لعام 2022 من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والذي تزامن مع اختيار مسقط الشاعر مدينة إربد عاصمة للثقافة العربية؛ يسعدنا في قسم اللغات السامية والشرقية وكرسي عرار للدراسات الأدبية والثقافية، وبالتعاون مع مديرية ثقافة إربد والمكتب التنفيذي لاحتفالية إربد عاصمة للثقافة العربية، أن نقيم هذه الندوة التي جاءت معنونة بـ" عرار واللغة الفارسية"، والتي تهدف إلى التعريف بجهود عرار وإنجازاته في اللغة الفارسية، وهو الجانب الآخر من شخصيته، والذي يكاد يكون مجهولاً، ولا يعرفه إلا القلة القليلة في العالم العربي؛ حقيقة إنَّ الواجب الوطني والقومي يحتَّم علينا أن نحتفل بشاعر الأردن الكبير، والاعتراف بفضله، والتعريف بدوره، وإنجازاته، وريادته في الترجمة عن اللغة الفارسية مباشرة؛ فقد انفتح عرار على اللغات والثقافات الأخرى؛ ولا سيَّما اللغة الفارسية منذ عام 1912م؛ عندما تعرف على رباعيات عمر الخيام عن طريق ترجمة وديع البستاني التي صدرت عن دار المعارف في مصر من العام المذكور، فأحبها وعشقها وهام فيها، واستمرت قصة العشق هذه عشر سنوات حتى آتت أكلها، ومن ثمَّ كانت مدعاة له حتى يتعلم اللغة الفارسية، ويُقدم على ترجمة 155 رباعية من هذه الرباعيات، ويبدع في ترجمتها؛ في وقت مبكر وتحديداً في عام 1922م؛ أي قبل مئة عام بالضبط، اعتمادا على كتاب رباعيات عمر الخيام لرضا توفيق وحسين دانش الذي صدر في أسطنبول في عام 1922م، وهنا تكمن أهمية هذه الترجمة كونها الترجمة العربية الأولى التي تمَّت عن اللغة الفارسية مباشرة، ومن ثمَّ أقدم عام 1925 على نشر 52 رباعية من ترجمته في مجلة "منيرفا" اللبنانية، وحاور الشاعر اللبناني أمين نخلة على صفحات هذه المجلة في هذا الشأن، ونقد ترجمته، وبين طريقته في الترجمة من الفارسية إلى العربية وخصائصها في مقالتين منشورتين في هذه المجلة من العام نفسه، وأضاف الى ترجمته بعض الرباعيات حتى وصلت ترجمته إلى 169 رباعية، ولم يكتف عرار بترجمة الرباعيات؛ بل ظل مشغولاً ومسكوناً وباحثاً عن الخيام، وشخصيته، وفلسفته، وآثاره العلمية، والأدبية، وترجمة الرباعيات باللغات الثلاثة التي كان يعرفها وهي: العربية، والفارسية، والتركية حتى وفاته عام 1949م.
وفي هذا الإطار سعى عرار إلى تأليف كتاب عن الخيام، وأنجز بعض الخطوات فيه؛ فكتب مقدمة الكتاب، التي بيَّن فيها العوامل التي يتأثر فيها الأدباء والمفكرون، وتحدَّث عن شخصية الخيام، وسيرته، والبيئة التي نشأ فيها، كما نجده يواصلُ رحلة البحث عن الخيام وآثاره في المحاضرة التي ألقاها في الندوة الأدبية، التي أقيمت في عمان في الأربعينيات من القرن الماضي؛ ويعلنُ فيها اكتشافه "رسالة الكون والتكليف" لعمر الخيام، ويقدَّمُ في هذه المحاضرة مادة علمية موثقة عن الخيام، واهتمام الغربيين به، ويتطرق في محاضرته إلى الموازنة بين الخيام، وابن سينا، وابن ميمون.
وإذا كان عرار قد وقع تحت تأثير عمر الخيام الذي تأثر فيه كثيراً، ونظم أشعاراً "خيامية" تحت تأثيره، وكان يصف نفسه بأنه "خيامي المشرب"، ويرسل شعره على كتفيه تأسياً بالخيام حسب اعتقاده؛ فقد عرف كبار الشعراء الفرس أيضاً، وقرأ آثارهم، واستشهد بأشعارهم، فهنالك مسودة مقالة وجدت بين أوراقه معنونة بـ "أمالي عرار" يتحدث فيها عن الشعر الفارسي بشكل عام، ويذكر أشهر الشعراء الفرس، ومن أشهرهم: جلال الدين الرومي، المعروف في الأدب الفارسي بمولانا، وسعدي الشيرازي صاحب البستان والكلستان، وحافظ الشيرازي صاحب الغزليات؛ بل إنَّ عراراً نظم أشعاراً باللغة الفارسية لمعشوقته الأرمنية فكتوريا كلنسيان، وهي أقرب ما تكون إلى قالب الغزل في الأدب الفارسي.
انطلق الشاعر الأردني الكبير بشعره وترجمته نحو العالمية فأضحى مشهوراً داخل الوطن العربي وخارجه، ولا سيَّما لدى الناطقين باللغة الفارسية؛ فأصبح معروفاً لدى المثقفين الإيرانيين، وقد حظي باهتمام الباحثين والدارسين المهتمين بعمر الخيام وترجمة رباعياته، وبدراسات الأدب المقارن في الأدبين العربي والفارسي، كما حظيت ترجمته بالعناية والاهتمام؛ فأضحت ترجمته ومختارات من أشعاره تُدرَّس في العديد من الجامعات الإيرانية، وقد كُتبت حوله، وحول ترجمته للرباعيات وتأثره بالخيام عشرات الأبحاث باللغتين العربية والفارسية من قبل الناطقين بهذه اللغة، وما زال الاهتمام به يزداد يوماً بعد يوم.
وفي نهاية هذه الكلمة أرفع باقات الشكر والعرفان وعبارات التقدير لراعي هذه الندوة الأستاذ الدكتور رئيس الجامعة، وعميد كلية الآداب، وشاغل كرسي عرار، ولجميع منظمي هذه الندوة، والقائمين عليها، وللزملاء الأعزاء الذين شرفونا بحضورهم كل باسمه ولقبه ومكانته، كما لن أنسى أن أرحب بالمشاركين الأفاضل، أ.د يوسف بكار وأ.د عبدالكريم جرادات اللذين زادا هذه الندوة العلمية حفاوة فوق حفاوتها بمشاركتهما وحضورهما القيم، وإن كانت العبارات قد قصرت في شكر أهل الفضل والعلم؛ فلعلَّ استعارة الشعر تسعفني، فأختم بأبيات من القصيدة العمرية لحافظ إبراهيم الذي يقول:
لا هُمَّ، هَبْ لي بياناً أستَعينُ به عــلى قضاءِ حُقــوقٍ نامَ قاضِيها
قد نازَعَتني نَفسي أن أوَفِّيَــــــها وليس في طَوقِ مِثلي أنْ يُوَفِّيها
فمُرْ سَرِيَّ المَعاني أنْ يُواتيَني فيهافإنِّي ضَعيفُ الحالِ واهيها
فعذراً إن قصرت، وعفواً إن أطلت، وما أردت الخير إلا ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

الربابعة يترجم كتابين من الأدب الفارسي المعاصر خبر صدور كتاب أنطولوجيا الرواية الفارسية المعاصرة  وكتاب مراحل  الشعر   الفارسي على موقع جامع...