السبت، 23 ديسمبر 2023


مؤامرة لتغيير اللغة الفارسية

   دراسة للمرحوم الأستاذ الدكتور خسرو فرشيد ورد
 ترجمة وتقديم 
الأستاذ الدكتور بسام الربابعة
  نشرت في مجلة الدراسات الأدبية، الجامعة اللبنانية، بيروت، صص 11- 37، عدد 11، 12، 13، سنة 2005م 


هذه الدراسة لأستاذي المرحوم الأستاذ الدكتور خسرو فرشيدورد (1929-2009م) نُشرت ضمن كتابه الموسوعة "لغت سازى ووضع وترجمۀ اصطلاحات علمى وفنى" (توليد الألفاظ ووضع وترجمة الاصطلاحات العلمية والفنية) الذي زاد على ألف صفحة، وقد أحببت مشاركة جزء منها للمهتمين باللغة الفارسية وآدابها؛ علماً بأنني ترجمتها ونشرتها في مجلة الدراسات الأدبية، الجامعة اللبنانية، عام 2005م، وسوف تأخذ طريقها إلى النشر ضمن كتاب "الترجمة والمثاقفة العربية الفارسية" الذي أوشكت على الانتهاء منه، وجل الدراسة يقوم على مهاجمة دعاة حذف الكلمات العربية من اللغة الفارسية، ومحاولة استبدالها بالكلمات الفارسية المحضة.
**********
كان المرحوم الأستاذ الدكتور خسرو فرشيدورد أستاذ اللغة الفارسية في جامعة طهران من الأساتذة المتميزين في اللغة والأدب الفارسي؛ فالدكتور فرشيدورد من الرواد في تخصص علم اللغة، وصاحب نظريات جديدة، ومؤلفات متميزة في اللغة الفارسية، وعلم اللغة، والأسلوبية، والنقد الأدبي، ووضع الألفاظ واشتقاقها، وترجمة الاصطلاحات، ومن الأساتذة المتخصصين في اللغة الفارسية والنقد الأدبي، وإضافة إلى هذا كان الأستاذ الدكتور خسرو فرشيدورد يتقن العربية، والفرنسية، والانجليزية، ويتحدث بالإسبانية.
صدر للأستاذ الدكتور فرشيدورد الباحث المتميز، والمحقق الجلد، والشاعر المرهف مؤلفات متعددة من أبرزها:
1- قيد در زبان فارسى: الظرف في اللغة الفارسية.
2- عربى در فارسى : العربية في اللغة الفارسية.
3- تحول فعل در زبان فارسى : تطور الفعل في اللغة الفارسية.
4- نقد شعر فارسى: نقد الشعر الفارسي.
5- در گلستان خيال حافظ : في روضة خيال حافظ.
6- جمله وتحول آن در زبان فارسى : الجملة وتطورها في اللغة الفارسية.
7- گفتارهاى درباه زبان فارسى : مقالات حول اللغة الفارسية.
8- نقش آفرينى هاى حافظ : إبداعات حافظ الخالدة.
9- ديوانا شعر.
ومما هو جدير بالذكر أنَّ للأستاذ الدكتور فرشيدورد مقالات تزيد عن مئين، وقد أربت آثاره المطبوعة على عشرة آلاف صحفة، كما ساهم في تدوين موسوعة إيران والإسلام، ودائرة المعارف الإيرانية، وحرف الواو من معجم (لغتنامه دهخدا).
*********************
صدر للأستاذ الدكتور خسرو فرشيدورد في عام 2001م كتاب قيم تحت عنوان: "لغت سازى ووضع وترجمۀ اصطلاحات علمى وفنى" (توليد الألفاظ ووضع وترجمة الاصطلاحات العلمية والفنية) وقد جاء هذا الكتاب الموسوعة في عشرة أبواب مرتبة على التوالي:
الباب الأول: القواعد العامة لوضع المفردات والاصطلاحات.
الباب الثاني: البناء النحوي والتحليل اللغوي والدلالي للاصطلاحات العملية والفنية.
الباب الثالث: مقالات حول لغة العلم واللغة الفارسية.
الباب الرابع: العلم والاصطلاحات العلمية والفنية في إيران.
الباب الخامس: مجمع اللغة الإيراني ووضع الألفاظ.
الباب السادس: وضع الألفاظ وكُتَّاب الفارسة المحضة.
الباب السابع: نظرة إلى الكتب العلمية والفنية القديمة.
الباب الثامن: الكتب العلمية في العصر الحاضر.
الباب التاسع: وضع الألفاظ والاصطلاحات في عصرنا.
الباب العاشر: حول اللغة واللغة الفارسية وتاريخها والتخطيط للغة والأدب والخط الفارسي.
****************
بحث الأستاذ الدكتور خسرو فرشيدورد في هذا الكتاب كثيراً من القضايا المهمة، التي تهم أبناء اللغة الفارسية، وكل دارس لهذه اللغة ومهتم بها، فطرح المشكلات التي تعرضت لها اللغة الفارسية، وعالجها بقوة وشجاعة متميزة، قلَّما نجدها عند الباحثين الآخرين، وقد دارت فصول الكتاب حول اللغة الفارسية، وعلم اللغة في إيران، ووضع الاصطلاحات، والتوليد اللغوي، والخرافات الأدبية، والانحرافات اللغوية، وما تتعرض له اللغة الفارسية من حملات التغيير والتشويه.... ونظراً لأهمية هذا الكتاب، الذي يكاد يكون فريداً من نوعه في هذا الحقل من الدراسات، استقر رأي المترجم على تقديم أحد مباحث هذا الكتاب لقراء العربية، ووقع الاختيار على فصل "توطئه براى تغيير زبان فارسى" (مؤامرة لتغيير اللغة الفارسية) آملاً أنْ يكون قد وفق في اختيار هذا الفصل، وفي ترجمته بشكل صحيح، فإنْ كان كذلك فلله الحمد والمنَّة، وإنْ كانت الأخرى فحسبه أنَّه قدَّم جهده -جهد المقل- ولم يدَّخر منه شيئاً، وفيما يلي جزء من هذه الدراسة القيمة:
***************
ينكر المتعصبون أصحاب الأفكار المتحجرة تطور اللغة؛ معتقدين أنَّ لغتنا الفارسية لم تغيير منذ آلاف السنين؛ إذْ إنَّهم يرون أنَّ لغة (خشايارشا) و(يزدجرد) الفاسدة أفضل من لغة سعدي الشيرازي، وحافظ الشيرازي، ومجتبى مينوي، وسعيد نفيسي، وملك الشعراء بهار، ويتخيل هؤلاء الرجعيون أنَّ لغة تلك العصور البدائية والناقصة أفضل من لغة هذا العصر المتطورة، ويتصورون أنَّ هذا العصر هو عهد (أردشير) الظالم، و(تنسر) و(خسرو پرويز) (كسرى – أَبَرْويز)، ولذا يأملون بالعودة إلى تلك الأزمنة، والحديث بتلك اللغات، ويَصْبون إلى يوم يتحدثون فيه باللغة القديمة البائدة؛ لأنَّهم لا يحبون لغة العصر الحية، ولا أناس هذا العصر.
إنَّ هؤلاء الرجعيين يريدون إحياء الموتى، ودفن الأحياء؛ فهم يسعون إلى إخراج اللغات القديمة البائدة من القبور، ودفن اللغات المعاصرة الحية في قبور الرجعية والعصبية؛ نعم إنَّ هؤلاء يسعون إلى أن تصبح لغة (خشايارشا) و(ماني) و(مَزْدك) بديلاً عن لغة الفردوسي، وسعدي، وحافظ، وجلال الممالك ايرج، و"محمد علي" جمال زاده، وصادق هدايت.
يعتقد هؤلاء أنَّ اللغة الفارسية بقيت مثل مستنقع ركدت فيه المياه لقرون طويلة، ولم يطرأ عليها أي تطور خلال هذه القرون، وهنا يحق لنا أنْ نتساءل ما هذا الجنون؟ وما هذا الاعتقاد الباطل؟ وما هذا التوهم المستحيل؟ إنَّ هؤلاء الذين غرقوا في نوم عميق- استمر ثلاثة آلاف سنة- يجهلون أنَّ اللغة الفارسية تغيرت كلياً منذ ذلك الزمن وحتى اليوم.
عمل هؤلاء تحت وطأة هذه الأفكار غير الناضجة على تغيير عناصر اللغة الحية بالكلمات البائدة، أو الخاطئة، أو السيئة، أو غريبة الإيقاع، أو المصطنعة؛ فغيروا تحت تأثير هذه التصورات الواهية (محصول) إلى (فرا آورده) و (تحول) إلى (فرا گرد) و(جریان) إلى (روند) و(روال) إلى (فرايند) و(عيب) إلى (آك) و(فاعل) و(موضوع) إلى (نهاد) و(تشنج) إلى(تنش) ولم يخجلوا من الفردوسي، وسعدي، وحافظ، والكتَّاب، والشعراء البلغاء والفصحاء.... فمرحى لهذه التقدُّمية، والحداثة، وحب الأدب، والوطنية!
أليس هنالك شخص يسأل (صنَّاع اللغة) الإجلاء هؤلاء: ما هو عيب كلمتي: (محصول) و(حاصل) الحيتين، وصاحبتي المعنى الجميل، حتى يبدلوها بـ (فرا آورده) المضطربة وعديمة المعنى؟ أو ما سبب ترجيحهم (فرا آورده) التي لم ترد في شعر ونثر أي شاعر وكاتب كبير على كلمتي (محصول) و(حاصل) اللتين تتلألأتا عشرات المرات مثل الجوهرة الناصعة على جبين أشعار سعدي، وحافظ ومن حذا حذوهما؟ أليس بيتا حافظ الشيرازي اللذان تلألأت فيهما كلمتا (محصول) و (حاصل) من روائع الشعر الفارسي:
حاصل كارگه كون ومكان اين همه نيست
باده پيش آر كه اسباب جهان اين همه نيست
مطرب كجاست تا همه محصول زهد وعلم
در كــار چنگ وبربــط وآواز نـی كنم ؟
ترجمة البيت الأول: هل الدنيا وما فيها جدير بكل هذا الاهتمام ؟ هات الصبوح فإنَّ بضاعة (حاصل) الدنيا لا تساوي شيئاً.
ترجمة البيت الثاني: أين هو المطرب حتى أبذل لديه جميع محصول الزهد والعلم في سبيل الربابة والعود وصوت الناي.
أليس تبديل كلمتي (محصول) وحاصل الجميلتين والقصيرتين والشائعتين -دون أي حاجة- إلى كلمة (فرا آورده) الطويلة والقبيحة إعلان حرب على شعر حافظ السماوي؟ ألا يُعدُّ هذا العمل معاداة ظاهرة للغة الفارسية والأدب الفارسي؟ أليس هذا العمل هوساً وجنوناً؟
يعمل المتعصبون منحرفو الأفكار تحت وطأة تصوراتهم الخاطئة والمتعصبة على تغيير الكلمات الحية والأجنبية، التي دخلت إلى اللغة الفارسية، وتجذرت في أعماق لغتنا وثقافتنا إلى كلمات فارسية، ويعدون عملهم هذا تطهيراً وتهذيباً للغة؛ في حين أنهم يجعلون لغتنا عاجزة، وضعيفة، وغير مفهومة، ومن ثمَّ يقطعون علاقتنا مع السلف والخلف، وينفذون خطتهم المبنية على تغيير اللغة الفارسية، وإعادتها إلى الوراء؛ إذْ إنَّ هؤلاء يهاجمون لغتنا عن الطريق التكتل والتفريق بوسائل مختلفة: أحدها عن طريق تغيير البناء النحوي، وثانيها عن طريق تبديل الكلمات المناسبة بكلمات غير مناسبة، وثالثها عن طريق التغيير الجائر لمعنى الكلمات، ومما يجدر ذكره أنَّ التغيير النحوي، وتبديل الألفاظ الحية بالبائدة، والخاطئة والمختلقة أكثر خطراً من غيرها.
إنَّ أغلب الكلمات في الاصطلاح الفارسي -أي التي يضعها هؤلاء السادة مكان كلمات اللغة الجميلة- بائدة، أو منسوخة، أو خاطئة، أو سيئة الإيقاع، أو طويلة، أو مختلقة، والسبب في ذلك أنَّ الأصل عند هؤلاء هو تخليص اللغة الفارسية من الكلمات العربية بأيّ شكل كان؛ إذْ إنَّ هؤلاء يرون أنَّ الكلمات الخاطئة، والمصنوعة، والبائدة أفضل بكثير من الكلمات العربية، ويعتقدون بوجوب تطهير اللغة من هذه الألفاظ مهما كان الثمن، حتى يسكن عطش تعصبهم وأوهامهم المزعومة، والجدير بالذكر هنا أنَّ أعضاء هذه الجماعة لا يكترثون بالألفاظ التي ينتخبونها سواء أكانت صحيحة أم خاطئة، قبيحة أم جميلة، طويلة أم قصيرة، أصلية أم مصطنعة.......... المهم لديهم ألا تكون هذه الألفاظ عربية، ولتكن ما تكون.
نعم إنَّ أعظم خطر تواجهه اللغة الفارسية بعد خطر تغيير البناء النحوي، هو تبديل الكلمات الميتة والخاطئة والمصطنعة بالكلمات الحية، وهذا الخطر أشد مصيبة من هجوم الكلمات الأوروبية أيضاً، ولا شك أنَّ تبديل الكلمات الخاطئة بالكلمات الصحيحة، والمؤدية للمعنى يؤدي إلى التعقيد، والاضطراب اللغوي والدلالي للغة الفارسية.

 
تمت الم نوفمبر 2021

 
تمت المش

ليست هناك تعليقات:

الربابعة يترجم كتابين من الأدب الفارسي المعاصر خبر صدور كتاب أنطولوجيا الرواية الفارسية المعاصرة  وكتاب مراحل  الشعر   الفارسي على موقع جامع...