الخميس، 14 ديسمبر 2023

 كتاب   مراحل الشعر الفارسي منذ الثورة الدستورية وحتى سقوط الملكية

تأليف الأستاذ الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني

ترجمة الأستاذ الدكتور بسام علي الربابعة

 والصادر عن دار خطوط وظلال، عمان، 2023  


       هذا هو الكتاب الثاني الذي يترجمه صاحب هذه الكلمات للأستاذ الدكتور محمد رضا شفيعي كَدْكَني إلى اللغة العربية؛ فقد سبقه كتاب"الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا"، الذي عملت عالم المعرفة ذائعة الصيت على تبنيه ونشره في الكويت عام 2009 م، بما يزيد على ثلاثة وأربعين ألف نسخة، وقد وصل الكتاب إلى جميع أنحاء العالم العربي وخارجه، ولاقى إقبالاً واهتماماً منقطع النظير؛ مما شجعني وحفَّزني على ترجمة الكتاب الحالي؛ إذْ إنَّه كتاب مميز وفريد من نوعه، فهو يهدف إلى التعريف بالشعر الفارسي المعاصر، وتحليله ضمن منهج نقدي يتسم بالدقة ووضوح الرؤية، وهو عبارة عن بانوراما تطوف بنا في عالم الشعر الفارسي المعاصر، نتعرف من خلالها على تياراته الشعرية، وتوجهاته، ومضامينه، وأشهر شعرائه، والقضايا التي كانت تشغلهم خلال تلك المدة الزمنية، التي تمتد من قيام الثورة الدستورية في إيران عام 1906م، وحتى سقوط الملكية، وبداية مرحلة جديدة من تاريخ إيران الحديث في عام 1979م.

         من المؤكد أنَّ ترجمة هذا الكتاب الذي يشتمل على ثلاثة فصول هي: مراحل الشعر الفارسي منذ الحركة الدستورية وحتى سقوط الملكية، والشعر الفارسي بعد الحركة الدستورية، ومنحنى الشعر الفارسي في القرن الماضي سوف تثير اهتمام القراء العرب؛ ولا سيَّما المثقفين المتعطشين للاطلاع على الأدب الفارسي المعاصر، الذي نكاد نجهله في عالمنا العربي، ولا سيَّما في جامعاتنا العربية، ومن الجدير بالذكر أنَّ هذا الكتاب -كغيره من كتب المؤلف- حظي بالعناية والاهتمام من قبل الناطقين بالفارسية؛ إذْ وصلت طبعاته إلى الطبعة الثانية عشرة حتى الآن، وهو قمين بهذا الاهتمام لما يحويه من دراسة وتحليل للشعر الفارسي المعاصر من وجهة نظر نقدية جديدة، وكون صاحبه أكاديمياً، وأستاذاً جامعياً من الطراز الأول، ولا مثيل له في الجامعات الإيرانية.     

       يقع كتاب "مراحل الشعر الفارسي منذ الثورة الدستورية وحتى سقوط الملكية" في نسخته الفارسية في 175 صفحة من القطع المتوسط، وثلاثة فصول؛ ففي الفصل الأول من الكتاب عمل المؤلف على تحليل الشعر الفارسي من خلال تقسيمه إلى سبع مراحل هي:

أولاً: مرحلة ما قبل الحركة الدستورية.

ثانياً: مرحلة الحركة الدستورية.

ثالثاً: مرحلة رضا شاه ( 1920 – 1941م)

رابعاً: منذ 1941 وحتى انقلاب 1953م.

خامساً: منذ انقلاب 1953  وحتى 1961م.

سادساً: منذ 1961 وحتى  1970م.

سابعاً: منذ 1971 وحتى 1979م ( أوج الكفاح المسلح – سقوط النظام الملكي)

       وفي كل مرحلة من المراحل السابقة تناول المؤلف دراسة الشعر الفارسي المعاصر، وتحليله من خلال العناصر التالية:

1-  الشخصيات.

2-  الأصوات الشعرية.

3-  القضايا الرئيسية ( الموضوعات والمضامين).

4-  الخصائص التكنيكية.

5-  عناصر التغيير:     

 ألف- التأثيرات الثقافية.  

 ب – التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية.        

          لما كان المؤلف أكاديمياً من الدرجة الأولى، وناقداً متميزاً، وصاحب نظرة تحليلية ثاقبة عزَّ نظيره في الأدب الفارسي المعاصر؛ فقد عمل على دراسة تيارات الشعر الفارسي المعاصر المختلفة، وتتبع الشخصيات الشعرية البارزة في كل مرحلة من المراحل السابقة، وذكر الأصوات الشعرية المشهورة، من خلال الشواهد والأبيات الشعرية التي قدَّمها في ثنايا الكتاب، وطرح القضايا الرئيسية والمضامين، التي كانت رائجة في تلك المرحلة، ولم تكن موجودة في المراحل السابقة، كما قدَّم المعايير الأصلية التي تحكم الشعر الفارسي المعاصر؛ من حيث طريقة التفكير والمعرفة والبناء الفني للشعر؛ إذْ إنَّ للشعر شكلاً وصوراً وموسيقى وخصائص لغوية، وجميعها تسمى بالتكنيك، ومع اقتراب الحدود الثقافية للشعوب تقترب أساليبهم الشعرية من بعضها البعض كما يقول المؤلف.           

       كما تناول صاحب الكتاب في هذا الفصل عوامل التغيير، التي أثرت في الشعر الفارسي المعاصر، وهي المؤثرات التي عمل على استقصائها في التطورات الشعرية، ومسيرة الشعر الفارسي المعاصر، وعوامل التغيير هذه مختلفة، وأبرزها العوامل الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية.      

            تناول المؤلف في الفصل الثاني الشعر الفارسي المعاصر بعد الحركة الدستورية بالدراسة والبحث والتحليل؛ فقدَّم تعريفاً للشعر ارتضاه، ودرس من خلاله عناصر الشعر؛ أي العاطفة، والخيال، واللغة، والوزن، والشكل، وهي العناصر التي استعملها عمالقة الشعر الفارسي كل ٌّعلى قدره، ثمَّ عرض للشعر الفارسي الحديث، ومؤسسه الشاعر المشهور نيما يوشيج ( 1897- 1960م)، وذكر أنَّ محاولات التجديد في الشعر الفارسي لم تكن ظاهرةً بدأت مع نيما، بل سبقتها محاولات تجديدية كثيرة، فعندما تتغير قيم الحياة فإنَّ نوع العواطف، وفهم الحياة يتغير أيضاً، ومن هنا تشكَّل الشعر الفارسي المعاصر، وازدهر في ظل الحركة الدستورية التي جرت سنة 1906م، وكان كل من: إيرج ميرزا، وبروين اعتصامي، وأبو القاسم اللاهوتي، ونيما يوشيج أهم الشعراء الرواد في الشعر الفارسي الحديث، وركز المؤلف على تجارب نيما، الذي كان مشغولاً بتجاربه الشعرية المتعددة ونشرها في تلك السنوات، وعرض لخصائص الشعر النيمائي الحديث، وتناول خصائص هذا الشعر الذي أصبح يشكِّل مدرسة شعرية، مؤسسها نيما يوشيج، وتلاميذها شعراء كثر منهم: مهدي أخوان ثالث، وسهراب السبهري، وأحمد شاملو، وفُروغْ فرُّخزاد، وآخرون، وقدَّم كذلك العناصر الشعرية لهذا النوع من الشعر؛ من حيث العاطفة، والخيال، واللغة، والوزن، والشكل، وعرض كل هذه القضايا من خلال نماذج شعرية متلالئة من الشعر الفارسي الحديث أثرتْ الكتاب وزادت من قيمته.

       كما أشار المؤلف إلى رواج الشعر الفارسي الحديث، الذي أصبح يعرف بـ" الشعر النيمائي"، وعرض لبضعة شعراء بارزين في هذا الشعر، كان بعضهم متأثراً بأسلوب نيما مباشرة؛ في حين كان قسم آخر يحاول متابعة نيما بأسلوب أكثر اعتدالاً، ومن هؤلاء الشعراء الدكتور برويز خانلري، والدكتور مجد الدين مير فخرائي، والدكتور محمد علي إسلامي ندوشن، وفريدون توللِّي، وهوشنك ابتهاج، ونادر نادر بور، وسياوش كسرائي، ونصرت رحماني، وإسماعيل شاهرودي، ثمَّ أشار المؤلف إلى بعض التيارات الأخرى، التي ظهرت في الشعر الفارسي المعاصر في هذه الفترة، وهي: الحركة الرومانسية، والشعر الاجتماعي، وأسلوب آخر سمَّاه "الأسلوب المعتدل"، والشعر المرسل أو المنثور ورائده أحمد شاملو الذي توفي عام 2003م.

       أما الفصل الأخير من الكتاب فقد قدَّم الأستاذ الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني فيه دراسة تحليلية لا نظير لها لحركة الشعر الفارسي وتطوره، وذلك من خلال دراسة منحنى الشعر الفارسي في القرن الماضي، والرسم البياني عن طريق عناصر رئيسة في التطورات الشعرية، التي مرت بها حركة الشعر الفارسي، واشتملت على تحليل شخصية الشاعر، ومدى رصيدها الثقافي، ورواجها في المجتمع، والجماليات الفنية، والجوانب الإنسانية، والعواطف البشرية التي يتمتع بها الشاعر، وبحث المؤلف هذه القضية، وذكر نماذجها لدى مجموعة من الشعراء من مراحل الشعر الفارسي المعاصر، ومدارسه المختلفة الكلاسيكية، والحديثة، ومن الجدير بالذكر أنَّ هذا المنحنى والرسم البياني قد جاء متشابهاً في بعض المراحل.

       ومن القمين بالذكر أنَّ المؤلف يرى أنَّ أوج الشعر الفارسي هو الاعتدال والتناسب الواعي في أربعة محاور، وأنَّ عظمة كل شاعر متعلقة بميزان الاعتدال في عمله ضمن هذه المحاور الأربعة؛ إذْ إنَّ كثيراً من الشعراء المعاصرين يشتهرون لمدة قصيرة، ثمَّ سرعان ما يكون نصيبهم الإهمال والنسيان، وهذه المحاور الأربعة هي:

1-  الخط الأفقي الأول (الرصيد الثقافي) وهي القضايا التي يجب أن يأخذها الشاعر بعين الاعتبار ويعكسها في أشعاره.

2-  الخط الأفقي الثاني (مدى شهرة الشاعر في المجتمع).

3-  الخط العامودي (حول العمق الإنساني) وأهمها القضايا الإنسانية التي يتناولها الشاعر في أشعاره وعواطفه تجاه القضايا الإنسانية.

4-  الخط الصعودي (حول التقييم الصعودي الفني للشعر) الذي يتعلق بالخيال واللغة والوزن والشكل.

    إنَّ الملاحظة التي يجب التذكير بها في هذا البحث، هي أنَّ الدراسات النقدية في الأدب الفارسي بشقيه الشعر والنثر عادة ما تتوقف عند سقوط الملكية في إيران، وبداية مرحلة جديدة في عام 1979م؛ وهو ما بدا واضحاً في عنوان الكتاب، وهذا ما يلاحظ أيضاً في كل الكتابات النقدية التي تتناول دراسة الأدب الفارسي المعاصر وتحليله: من قصة، ورواية، ومسرحية، وشعر، وغيره؛ فجميعها وبدون استثناء تتوقف عند هذا التاريخ عادة، وهو ما أصبح أمراً متعارفاً عليه، وشائعاً في الدراسات النقدية في الأدب الفارسي المعاصر.

      أما الملاحظة الأخرى التي يجدر بالتذكير هنا فهي أنَّ هذا الكتاب يتميز بميزة فريدة من نوعها، وهي أنَّه عبارة عن سلسلة من المحاضرات، التي كان الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني يلقيها على طلاب كلية الآداب في جامعة طهران، والتي كان الطلاب يسجلونها ويضبطونها على جهاز التسجيل، ومن ثمَّ يتم تفريغها وطباعتها، ومراجعتها من قبل المؤلف حتى تأخذ طريقها إلى النشر؛ وهي القضية التي أشار إليها المؤلف في مقدمته كما سيأتي.

         ولا بدَّ من التذكير في هذه المقدمة بأنَّ الأدب مرآة المجتمع، والضمير الجمعي المُعبر عمَّا يدور فيه وما يشغله؛ ولهذا فإنَّ من المؤمل أنَّ تساهم هذا الترجمة لكتاب "مراحل الشعر الفارسي منذ الثورة الدستورية وحتى سقوط الملكية" في فهمنا للمجتمع الإيراني بجوانبه المختلفة، وأنْ تسدَّ نقصاً ملحَّاً في المكتبة العربية، عن طريق تعريف أبناء العربية على هذا الأدب الغني بكنوزه المعرفية، والذي ما زال أرضاً خصبة، تجتذب إليها كثيراً من الباحثين والأكاديميين والمترجمين، للمساهمة في إثراء حوار الحضارات والثقافات، ومحاولة التقريب بين الشعوب والأمم وفهم الآخرين، بدلاً من النزاعات والحروب الطاعنة، التي بدأت تنشب أظفارها هنا وهنالك، وتشعل الحرائق حولنا، وتقتل كثيراً من الأبرياء؛ فلنكن نحن معاشر الأكاديميين والمثقفين رسل سلام ودعاة تقارب ووئام؛ على الرغم من شدة الظلام الذي يحيط بنا من كل جانب، ولنطَّهر أقلامنا من كل ما يمكن أنْ يفسد العلاقة بين الأمم والشعوب.

      في نهاية هذه المقدمة لا بدَّ أن أتوجه بالشكر والتقدير لكل من ساهم في نشر هذا الترجمة، وإخراجها إلى حيز الوجود، ووضعها في متناول القارئ العربي، وأخص بالذكر دار خطوط للنشر والتوزيع والترجمة، ممثلة بالدكتورة هناء البواب التي رحبت بنشر هذه الترجمة وإخراجها بحلة جميلة وقشيبة؛ وقد قيض الله لها أن ترى النور وتخرج إلى الوجود؛ بعد أن بقيت حبيسة غبار النسيان لبضع سنوات، سائلاً المولى عزَّ وجل التوفيق والسداد في هذا العمل، وأن يمنحني الصحة والوقت لإنجاز ترجمات أخرى عن اللغة الفارسية؛ وأن يجعلها جميعاً زكاة علمي، وصدقة جارية عني، إنَّه سميع قريب مجيب، والحمد لله أولاً وآخراً.

ليست هناك تعليقات:

الربابعة يترجم كتابين من الأدب الفارسي المعاصر خبر صدور كتاب أنطولوجيا الرواية الفارسية المعاصرة  وكتاب مراحل  الشعر   الفارسي على موقع جامع...