الخميس، 12 سبتمبر 2013


الترجمة وحوار الحضارات: كتاب الأدب الفارسي أُنموذجاً


مجلة كلية اللغات والترجمة، جامعة الأزهر العدد الثاني، الجزء الثاني، يناير 2012م


تناولت هذه المقالة دراسة أصداء الترجمة العربية لكتاب "الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا" للأستاذ الدكتور محمد رضا شفيعي كَدْكَني، أستاذ الأدب الفارسي في جامعة طهران، والأكاديمي والناقد والشاعر والمترجم الذي لا مثيل له في الجامعات الإيرانية، واتخذت منه أنموذجاً لبحث وتحليل ظاهرة الترجمة وحوار الحضارات؛ إذ إن هذا الكتاب يعدّ أنموذجاً فريداً ومثالاً حيّاً لحوار الحضارات، وتلاقح الثقافات بين لغات ثلاثة هي: الإنكليزية والفارسية والعربية؛ فقد صدر هذا الكتاب بداية باللغة الإنكليزية في أمريكا عام 1995م(1)؛ ثم ترجمه السيد حجة الله أصيل إلى اللغة الفارسية وصدر في طهران عام 1998م(2)؛ في حين أقدم صاحب هذه المقالة على ترجمته إلى اللغة العربية، وعمل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت على تبني هذه الترجمة، ونشرها في أرجاء العالم العربي عام 2009م(3) عن طريق مجلة "عالم المعرفة" ذائعة الصيت، وبعدد زاد على ثلاثة وأربعين ألف نسخة.

      قدّم الأستاذ الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني الذي يتمتع بشهرة واسعة ومصداقية عالية لدى القارئ الإيراني في هذا الكتاب جهداً طيباً يشكر عليه في تعريف غير الناطقين بالفارسية على الأدب الفارسي؛ ولما كان الكتاب موجّهاً إلى غير الناطقين بالفارسية، وكون صاحبه هذا الأستاذ الكبير فقد عزّز هذا الجانب من أهميته وانتشاره، ومنحه ميزة خاصة، وهو الكتاب الأول الذي يترجم للمؤلف إلى اللغة العربية، وهكذا تتضح ريادة هذا الكتاب وأسبقيته وأهميته في تعريف غير الناطقين باللغة الفارسية على الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أواخر القرن العشرين؛ ولكل هذا فقد استقر رأي الباحث على تخصيص هذه المقالة لدراسة وتحليل أصداء الترجمة العربية لهذا الكتاب في إطار الترجمة وحوار الحضارات، ومعرفة الآخر والانفتاح على الثقافات الأخرى.

الترجمة وحوار الحضارات

       لقد غدت الترجمة ثورة عظيمة الأثر على مختلف المستويات والأصعدة الثقافية والأدبية والعلمية وغيرها، وشكّلت جسراً للتواصل مع الثقافات المختلفة والحضارات المتعددة؛ إذ إن الترجمة التي تشّكل فيها الكلمة الركن الأساس تلعب دوراً مهما في تلاقح الأفكار وتثاقفها، والتفاعل والحوار مع الثقافات واللغات الحية، والشعوب والأمم الناطقة بهذه اللغات في شتى مناطق المعمورة، في ظل العولمة وما نعيشه من تسارعات كبيرة جداً في هذا العصر؛ فالترجمة إبداع حيوي، وتزاوج فكري، وتبادل ثقافي، وعطاء أدبي، ومشاركة علمية، وظاهرة تدعونا إلى التفاعل الإيجابي مع ثقافات الشعوب الأخرى، ومحاولة فهم ما لدى الآخرين من أفكار ومعارف؛ وهي التي حفظت التراث العالمي من الضياع والاندثار والآفات الأخرى، ولا شك أن إقامة العلاقات والتفاهم مع الثقافات والحضارات الأخرى من بين الأهداف التي تسعى الترجمة لتحقيقها، ومن ثمّ فإن الترجمة وسيلة لتبادل الثقافات ونشرها، وتعانق الحضارات والتقائها- لا تنافرها وصراعها- والاطلاع على ما لدى الآخرين من فكر وثقافة، ونحن مطالبون بالانفتاح على الحضارات والثقافات واللغات الأخرى؛ لأنها تشكّل نوافذ لنا للاطلاع على الفكر العالمي، وفي النهاية فإن الهدف الذي تسعى إليه الترجمة هو المساهمة في الفكر العالمي، وإثرائه بالأفكار البناءة والمفيدة، وهنا يتجلى دور الترجمة وأثرها في الحوار الحضاري والتفاعل الثقافي وما ينتجه العقل البشري.4)  

         تعدّ الترجمة مشروعاً ثقافياً يسعى لكسر حواجز العزلة وتجاوزها، وإقامة العلاقات بين الأمم والشعوب وإحكام أواصرها، وبناء الجسور والتواصل والتفاعل مع الحضارات والثقافات الأخرى، ومن هذا المطلق فقد بدأ المشروع العربي الإسلامي للانفتاح على الآخر منذ عصر الدولة العباسية، عندما أقدم الخليفة العباسي المأمون على تأسيس "بيت الحكمة" وانفتح على الثقافات اليونانية والفارسية والسريانية.... وبدأ المترجمون بحركة ثقافية قلّ نظيرها في العصور الإسلامية، فقد عملت هذه المؤسسة على ترجمة العلوم والآداب المختلفة ونقلها إلى اللغة العربية، وأغنت الحضارة العربية الإسلامية بكتب في شتى ميادين العلوم والمعارف، وشكلت هذه اللفتة الواعية من الخليفة العباسي حركة ونهضة ما زلنا نعتز بها ونفتخر حتى يومنا هذا، علاوة على أنها خلّدت اسمه على مرّ التاريخ وحفرته في ذاكرة الأجيال؛ بل إننا يمكننا القول بأن المشروع الثقافي والفكري والحضاري في العالم العربي والإسلامي بدأ منذ مرحلة مبكرة، فقد حثّ ديننا الحنيف على معرفة الآخر والتواصل معه؛ إذ إن فكرة حوار الحضارات ليست وليدة القرن العشرين؛ بل إنها فكرة دعا إليها الإسلام منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً، وهذا ما بدا واضحاً جلياً في قول تعالى:« يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير»(5)، ولا ننسى أن دعوة الرسول عليه السلام إلى الإسلام التي استمرت ثلاثاً وعشرين سنة في كل من مكة والمدينة ما هي إلا دعوة للآخر، وحوار معه من أجل التواصل والتلاقي والتفاهم لا التناحر والاختلاف، كما أن الحوار هو الوسيلة التي اتبعها الأنبياء والرسل جميعاً في دعوتهم إلى الرسالات السماوية.

      إن علاقة الترجمة بالمثاقفة وحوار الحضارات والعولمة علاقة جدلية تثير كثيراً من التساؤلات، وتبقى محط جدل وبحث بين الباحثين والدارسين، وعلى الرغم من ذلك فإنه يمكننا القول بأن الترجمة ظاهرة تدعونا إلى التفاعل والمثاقفة مع الآخر لا إلغائه؛ فالترجمة أداة فعّالة لتجسير الهوة بين الثقافات وردم الفجوة بين الحضارات، ووسيلة من وسائل حوار الشعوب والأمم؛ فنحن مطالبون بتكريس البعد الحواري بين الثقافات المتنوعة، والحضارات المتباينة، وإعطائه الأهمية اللازمة، فالترجمة تغذي فكرة حوار الحضارات وتواصلها، وتعمل على إغناء المثاقفة بين الأمم والشعوب، كما أن الترجمة عن اللغات الأخرى ونقل المعرفة والمساهمة في المثاقفة بين الأمم والشعوب الأخرى أضحت مطلباً حضارياً وفكرياً، ونحن ندرك اليوم أكثر من أي وقت مضى الدور الكبير والمهمة العظيمة، التي تقع على عاتق الترجمة في المثاقفة وتلاقح الأفكار وصقلها من خلال فكرة حوار الحضارات لا صراعها، ومن ثم فإن الترجمة تشكل نطفة جديدة في عالم العولمة وحوار الحضارات، ومما يؤيد هذا الشاعر الألماني المشهور يوهان غوته الذي كان مفتوناً بالشرق وثقافته، والذي دعا إلى التآزر والتلاقي والحوار والتقارب بين الشرق والغرب؛ فهو صاحب المقولة المشهورة:" إن الشرق والغرب لا ينفصلان"، التي نقض من خلالها مقالة صامويل هنتنجتون حول تصادم الحضارات، ومقولة روديار كيبلنغ الشهيرة:" الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا".

      إن المثاقفة العربية الفارسية التي بدأت منذ مرحلة ما قبل الإسلام واستمرت عبر العصور بأشكال مختلفة وصور متنوعة لا مثيل لها في الثقافات والحضارات الأخرى؛ فقد امتزجت الثقافة العربية والفارسية معاً، وانصهرتا في بوتقة واحدة منذ قرون ضاربة في أعماق التاريخ، إذ أخذت الفارسية أبجديتها وحروفها من العربية بشكل كامل، ووصلت نسبة الكلمات العربية التي دخلت اللغة الفارسية باعتراف مجمع اللغة الفارسية حوالي 60% من مفرداتها، ومنذ القرون الأولى كانت حركة الترجمة بين هاتين الثقافتين نشطة ومزدهرة أيضاً، وأثمرت عن ترجمات متعددة، ومن ثمّ فقد جاء تأثير الثقافة العربية في الثقافة الفارسية واضحاً وبارزاً ولا يمكن إنكاره، سواء كان هذا التأثير لغوياً أو أدبياً أو ثقافياً أو فكرياً....إلا أن هذه المثاقفة التي استمرت عبر العصور بأشكال متنوعة قد تراجعت في العصور الحديثة وكادت أواصرها أن تنقطع، فهنالك اليوم شبه قطيعة بين هاتين الثقافتين، إذ إن المثقف العربي لا يكاد يعرف شيئاً عن الثقافة الفارسية وأدبها، ولا سيّما الأدب المعاصر، فقد أهملنا الأدب الفارسي وغفلنا عنه، ومن هنا فإن أساتذة الجامعات المختصين باللغة الفارسية وآدابها في العالم العربي - على الرغم من قلة عددهم- مطالبون بالتعريف بهذه اللغة وآدابها وثقافتها وحضارتها، ويتحملون عبء ومهمة ذلك تأليفاً وترجمة، وفي هذا الإطار ونظراً للحاجة الماسة، فقد عمل صاحب هذا البحث على ترجمة كتاب "الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا" إلى اللغة العربية حتى يسدّ نقصاً ملحوظاً في المكتبة العربية، وحتى يكون الأدب الفارسي  المعاصر في متناول القارىء العربي، ولحسن الحظ فقد تبنت مجلة "عالم المعرفة" التي تحظى بالاحترام والتقدير لدى المحافل الأدبية والأوساط الثقافية هذه الترجمة، وعملت على نشرها في أرجاء العالم العربي وخارجه أيضاً، وهي المجلة التي يتلهف المثقف العربي على قراءتها مطلع كل شهر، وينتظر وصولها بفارغ الصبر.

أهمية الترجمة ودورها

        لا شك أن الترجمة بين اللغات المختلقة- التي كانت على مر العصور والأزمان أهم وسيلة للمثاقفة بين الأمم والشعوب- أضحت تحظى بمكانة مرموقة وتضطلع بدور كبير في معرفة الآخر والانفتاح عليه؛ فليس من المعقول أن نبقى في منأى عن الآخرين و نحن نعيش في قرية صغيرة، بل يجب علينا أن نبادر إلى التواصل مع الأمم والشعوب الأخرى، ومعرفة لغاتهم وثقافاتهم وآدابهم وعلومهم المختلفة، والاستراتيجيات التي ينتهجونها والطريقة التي يفكرون بها، وكل هذه الأمور توجب علينا أن نبادر إلى فتح الأبواب الموصدة والانفتاح على الآخرين، وهذا لن يكون إلا بالترجمة، التي أصبحت تحتل دوراً كبيراً في الحراك الثقافي ومعرفة الآخر والتواصل معه.(6)    

    إننا ندرك جميعاً أن الترجمة تضطلع بمهمة شاقة وخطيرة؛ فكلنا يعي الدور الذي لعبته الترجمة في النهضة العلمية والأدبية التي شهدها العالم العربي في مطلع القرن العشرين، كما كانت نافذة من النوافذ التي إطلعنا من خلالها على آداب الأمم والشعوب الأخرى؛ خاصة الأدب الغربي الذي أثّر في الأدب العربي إلى درجة كبيرة لا يمكن لأحد أن ينكرها، وعلاوة على ذلك فإن الترجمة يمكنها أن تؤثر في ثقافة وفكر كل أمة من الأمم، وهذ ما حدث في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عندما غزت بعض الكتب المترجمة ذات التوجهات الإيديولوجية اليسارية المجتمعات العربية، وأثرت في مثقفيها وشبابها، وصبغت مثقفي تلك المرحلة بهذه الصبغة، وساقتهم ضمن هذه الإيديولوجية، التي ابتلي بها أغلب مثقفي تلك المرحلة ومستنيريها، والمثال الواضح على ذلك ترجمة كتاب "ما الأدب" لجون بول سارتر باعتباره من أقطاب الوجودية.

     إن حركة الترجمة بين العربية والفارسية التي بدأها عبد الله بن المقفع بترجمة كتاب  "كليلة ودمنة" أثمرت عن ترجمة العديد من الكتب منذ ذلك الزمان وحتى أيامنا هذه، غير أن حركة الترجمة هذه تعيش في حالة من الفوضى والتخبط، وتعاني كثيراً من العلل، ويعترض طريقها العديد من المعضلات؛ وفي النتيجة فإن عدد الكتب التي تترجم من اللغة الفارسية إلى العربية قليل جداً، وهذا يعود إلى جملة من الأسباب لعل أبرزها القطيعة السياسية، وسبب جوهري آخر ألا وهو أن القلة القليلة من العرب هم وحدهم الذين يعرفون اللغة الفارسية، على الرغم من كوننا الأقرب تاريخياً وثقافياً وجغرافياً إلى الفرس ولغتهم، والحقيقة إن في الثقافة الفارسية وآدابها كثيراً من الكنوز والروائع الأدبية التي تستحق الترجمة والنقل إلى اللغة العربية؛ فالأدب الفارسي أدب غني وجميل سواء كان الأدب الكلاسيكي أو الأدب المعاصر الذي نكاد نجهله في عالمنا العربي، ومن هنا فإنني أرى أن الكتب الأدبية والثقافية هي الأكثر إلحاحاً، والتي آمل أن نعنى بها عناية خاصة.(7)     مما لا شك فيه أن هنالك فجوة كبيرة في الترجمة من اللغات المختلفة إلى اللغة العربية؛ فكل ما يترجم في العالم العربي لا يكاد يذكر مقايسة مع ما يترجم في الدول الأخرى، إذ إن عدد الكتب التي ترجمت إلى العربية من كل اللغات منذ عهد المأمون وحتى اليوم لا يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة، ومن هنا ونظراً للحاجة الماسة إلى انعاش حركة الترجمة في العالم العربي فقد أنشئت في مطلع هذا القرن مؤسسات ومنظمات وهيئات مختلفة عنيت بالترجمة، وأخذت على عاتقها مهمة الترجمة والنقل إلى العربية من اللغات الأخرى، وهذه المشاريع الكبيرة تستحق الشكر والتقدير والثناء، وهي نقطة لافتة في حركة إحياء الترجمة في العالم العربي في القرن الحادي والعشرين، نتمنى لها الدوام والاستمرار والتوفيق في هذه المهمة الشاقة التي تضطلع بها، كما نرجو أن تلتفت إلى ترجمة الأدب الفارسي ترجمة راقية وجديرة بهذا الأدب الذي يستحق الترجمة والنقل إلى اللغة العربية، حتى يتعرف عليه الناطقون بهذه اللغة، ومن المؤكد أن هذه المشاريع تستنهض همم المترجمين، وتحثهم على المشاركة فيها وإغناء حركة الترجمة في العالم العربي، ورفدها بالكتب النافعة المفيدة في شتى المجالات حتى تسد فراغاً كبيراً في المكتبة العربية، ومن ثم المساهمة في حوار الحضارات ومعرفة الآخر والانفتاح عليه.(8)

 كتاب الأدب الفارسي

    إن كتاب "الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا" هو الكتاب الأول الذي يترجم للأستاذ الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني إلى اللغة العربية، وهو كتاب قيّم و فريد من نوعه على الرغم من صغر حجمه؛ إذ إن هذا الكتاب موجّه إلى الناطقين بغير الفارسية، ولذا فقد جاء مختصراً و مكثفاً، وعلى الرغم من ذلك فقد " استطاع المؤلف بتبحره وإحاطته بهذا الموضوع أن يحل كثيراً من أسرار الشعر الفارسي وخاصة شعر الأسلوب الهندي، وسوف يدرك القارىء بوضوح أن في هذا الأثر ذي الحجم الصغير كثيراً من الملاحظات الدقيقة، ولذلك فإن هذا الكتاب يعادل كثيراً من الآثار المفصلة، كما أن البحث في خصائص شعر كل مرحلة وإبراز جوانب قوتها وضعفها، والتعريف بالأساليب الشعرية، وأوج فن الشعراء وحضيضه، وفي النهاية التوصل إلى معايير من أجل مقارنة ومعرفة شعر ونثر كل مرحلة من خصائص هذا الكتاب الفريد من نوعه"(9) ، ولكل هذا فقد جاء هذا الكتاب شاملاً لمدة زمنية طويلة تمتد من القرن الرابع عشر وحتى القرن العشرين، وهو يغني عن كثير من الكتب الأخرى؛ خاصة التي تتناول الأدب الفارسي المعاصر الذي نكاد نجهله في عالمنا العربي، وقد عمل المؤلف في هذا الكتاب على تناول الأدب الفارسي بشقيه: الشعر والنثر بالبحث والدراسة والتحليل، وقدّم جهداً طيباً يشكر عليه في التعريف بالأدب الفارسي لغير الناطقين بالفارسية، ولكل هذا وقع اختيار الباحث على هذا الكتاب ورأى أنه قمين بالترجمة، فعمل على ترجمته من اللغة الفارسية إلى العربية حتى يغني المكتبة العربية، ويكون في متناول المهتمين بالأدب الفارسي من أبناء العربية؛ إذ "إن كتاباً كهذا يعتبر بحق كتاباً شاملاً وببلوغرافيا اهتمت بالأدب الفارسي على مدى قرون، وقدّمها المترجم إلى قراء العربية ليفيدوا من أفكار ومعلومات، ويتعرفوا على أسماء أدباء فارسيين كبار أغنوا الساحة الأدبية في بلادهم بروائع الشعر والنثر وكل صنوف الآداب الأخرى، فقراءة هذا الكتاب تجعل القارىء يدرك مدى الجهل الذي كان عليه تجاه الأدب الفارسي، الذي تميز بأسلوب ورؤى مختلفة وجميلة قادرة على منافسة آداب الآخرين في هذا العالم".(10)

  يقع هذا الكتاب في ستة فصول؛ فقد جاء الفصل الأول موسوماً بالعصر التيموري (1350-1486م ) واشتمل على دراسة وتحليل للشعر الفارسي في هذا العصر، مبيناً الظروف التي أحاطت بالأدب الفارسي، وناقداً لمقولة "انتهاء العصر الذهبي للشعر الفارسي بوفاة حافظ الشيرازي " المتوفى سنة 790 للهجرة 1369للميلاد، ومعرّفاً بعبد الرحمن الجامي وآثاره الكثيرة؛ في حين جاء الفصل الثاني تحت عنوان العصر الصفوي ( 1486-1724م) وتناول المؤلف فيه الشعر والنثر الفارسي بالنقد والتحليل، مبيناً الأساليب الشعرية التي كانت سائدة في هذا العصر وخصائصها من حيث المضمون والأفكار، والصور الشعرية التي استعملها الشعراء في أشعارهم، وموضحاً ذلك من خلال الأمثلة الشعرية، وأُختتم هذا الفصل بتوضيح وضع النثر الفارسي في هذا العهد.

    تناول المؤلف في الفصل الثالث الذي وسمه بالعصر القاجاري( 1772– 1923 ) العوامل التي تركت تأثيرها الواضح في الأدب الفارسي في هذه المرحلة، ومن أبرزها سقوط الأسرة الصفوية، مبيناً خصائص الشعر الفارسي من حيث المضمون واللغة الشعرية والوزن والقافية، وذاكراً أشهر شعراء هذه المرحلة، وشارحاً وضع النثر الفارسي في هذا العصر.

   وسم المؤلف الفصل الرابع من كتابه بالعصر الدستوري، وتناول فيه السنوات التي أدت إلى انقلاب 1920 م، وقد عكست آداب هذه المرحلة جهود الإيرانيين من أجل الوصول إلى حكومة قانونية، والخلاص من النظام الاستبدادي، وجاء هذا الفصل مشتملاً على خصائص هذا العصر من حيث المضمون والشكل والأغراض والتيارات الشعرية، وختم المؤلف هذا الفصل بالترجمة لأشهر شعراء هذه المرحلة كملك الشعراء بهار، وسيد أشرف الدين الحسيني: نسيم الشمال، وفرخي اليزدي، ونيما يوشيج رائد الشعر الفارسي الحديث، وبروين اعتصامي؛ في حين جاء الفصل الخامس معنوناً بـ: بعد انقلاب 1920م وتناول المؤلف فيه الأوضاع التي كانت تعيشها إيران في هذه المرحلة، وبيّن تيارات الشعر الفارسي التي كانت سائدة آنذاك، كما عمل على توضيح جهود نيما يوشيج وتجاربه من أجل الخلاص من قيود الشعر الكلاسيكي، والتغييرات التي أحدثها في الشعر الفارسي المعاصر في كل من الشكل والأفكار والمضامين والصور الأدبية واللغة الشعرية وموسيقى الشعر.  

      أما الفصل السادس فكان خاتمة الكتاب وجاء تحت عنوان: بعد الحرب العالمية الثانية، وتناول المؤلف فيه وضع الشعر الفارسي المعاصر بعد السنوات التي تلت هذه الحرب، مبيناً التيارات الشعرية التي ظهرت في هذه المرحلة، وأشهر شعرائها: أحمد شاملو، ومهدي أخوان ثالث، وفروغ فرخزاد، وسهراب السبهري، كما تناول المؤلف في هذا الفصل الكتابة القصصية الحديثة في إيران بالبحث والدراسة والتحليل، مبيناً جهود "محمد علي" جمال زادة رائد القصة القصيرة في الأدب الفارسي المعاصر، وجهود صادق هدايت أشهر الأدباء الإيرانيين في القرن العشرين، ومن الجدير بالذكر أنه "لا يمكن اعتبار القصة بمعناها الجديد والحديث من الجنس الأدبي الذي له تاريخ طويل في إيران وفي الأدب الفارسي عموماً كما يقول المؤلف؛ فرواج القصة والمسرح في الأدب الفارسي بمفهوم الأدب الجديد لم يكن إلا في العصر الدستوري إثر التطورات التي حدثت في المجتمع الفارسي في هذه الحقبة بالذات، فبدأت الكتابة القصصية على شكل الرواية التاريخية التي نذكر من كتّابها: موسى النثري، وصنعتي زاده الكرماني، ثم ظهرت بعد ذلك أول مجموعة قصصية في إيران للكاتب محمد علي جمال زادة بعنوان "كان يا ما كان" التي نشرها في برلين سنة 1922م، وتعددت بعده العناوين سواء كانت من إنتاجه هو أو من إنتاج كتّاب آخرين تميزوا في هذا الجنس الأدبي، ونذكر منهم على الخصوص: صادق هدايت، وبزرك علوي، وعلي دشتي، ومحمد حجازي .... وما يمكن قوله عن المسرح الإيراني فقد عرف تطوراً كبيراً، حيث تمكن المؤلف من تحديد المسار الزمني الذي قطعه هذا النوع الأدبي الراقي، انطلاقاً من محاكاة المسرح الفارسي للمسرح الأوروبي إلى مرحلة بناء مسرح وطني ذي هوية إيرانية محضة، خاصة أن المسرح الإيراني عرف العديد من المشاكل وابتلي بالعديد من المعضلات بعد انقلاب 1953م، والتي كانت المحفز القوي له لإعادة البروز والتميز، ونذكر من الكتّاب المسرحيين الذين أبدعوا فيه وتركوا بصماتهم القوية في هذا النوع الأدبي: الدكتور غلام حسين ساعدي، والدكتور بهرام بيضائي، وأكبر رادي (11) ، وهكذا نلاحظ أن كتاب الأدب الفارسي يبحر في فترة زمنية تمتد من القرن الرابع عشر وحتى القرن العشرين الميلاديين، وهي التي تعكس خصوصية هذا الأدب في فترات متأرجحة ما بين الصعود والهبوط على المستويين العلمي والفكري، خلال قرون عدة شكلت فكر وثقافة أمة ما زالت تثير حولها مساحة كبيرة من الجدل، شأنها في ذلك شأن الأمم والحضارات العريقة والكبيرة، وهو الكتاب الذي عمل مؤلفه على التعريف الجاد والموضوعي للأدب الفارسي؛ رغبة منه في تعريف غير الناطقين بالفارسية على هذا الأدب الذي عزّ نظيره في الأدب العالمي، والذي يسعى نحو العالمية بخطى حثيثة ومحكمة.(12)

أصداء ترجمة الكتاب

      تركت ترجمة هذا الكتاب أصداء طيبة في المحافل الأدبية والثقافية في العالم العربي، ولاقت اهتماماً ملحوظاً لدى المثقفين في أرجاء العالم العربي كافة، ولعل الفضل في ذلك يعود إلى مجلة عالم المعرفة، فقد تمكنت هذه الترجمة من الوصول إلى أغلب الدول العربية إن لم يكن جميعها عن طريق هذه المجلة، وهذا ما برز من خلال عشرات المقالات والتغطيات الصحفية والأخبار التي نشرت في الصحف الورقية والمواقع الالكترونية على امتداد الساحة العربية من الخليج إلى المحيط، بل إنها تجاوزته إلى أبعد من ذلك، فقد أقدمت بعض الصحف التي تطبع خارج العالم العربي على نشر بعض المقالات التي تناولت هذه الترجمة بالنقد والتحليل، ولا ننسى كذلك الاهتمام والعناية التي حظيت بها من قبل المواقع الالكترونية الإيرانية، والصحف الصادرة في طهران باللغتين العربية والفارسية، ومما يجدر ذكره أيضاً أنه تمّ منذ الأيام الأولى لطباعة الكتاب نشره الكترونياً على مواقع متعددة في الشبكة العنكبوتية، حتى يصل إلى أكبر عدد ممكن من القراء، وحتى يتمكن القارىء من الوصول إليه بسهولة ويسر في أي وقت وفي أي مكان.(13)

   حقيقة لقد بدأ تعريف القارىء بهذا الكتاب قبل أن يرى النور ويطرح في الأسواق، فقد نشرت بعض الأخبار في الصحف والمواقع الالكترونية باللغتين العربية والفارسية حول ترجمة هذا الكتاب وقرب طرحه في الأسواق وصدوره في مجلة "عالم المعرفة"، ولعل هذا هو سرّ التوفيق لهذا الكتاب والانتشار الواسع الذي حظي به، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن ما زالت المقالات والدراسات حول هذا الكتاب تصدر بين الفينة والأخرى، وهذا دليل على حسن الاستقبال الذي حظي به الكتاب في مختلف الدول العربية، وتعطش القارىء العربي لمعرفة الأدب الفارسي ولا سيّما المعاصر منه، وإذا كانت هذه الأخبار قد نشرت مقتضبة وبشكل مختصر قبل صدور الكتاب، فقد نشرت مقالات ودراسات مطولة في المرحلة التي تلت نشر الكتاب بحلته الجميلة ووصوله إلى متناول القارىء العربي.

     إننا ندرك جيداً أن تتبع كل ما جاء في المقالات التي نشرت حول هذا الكتاب عمل شاق، وليس بوسع هذه المقالة القيام به، ولهذا فإننا نكتفي بأبرز ما جاء في بعض هذه المقالات ونعرض زبدة ما ورد فيها، ولعل من المناسب هنا الإشارة إلى أن صاحب هذه المقالة قد تتبع الدراسات والمقالات والتغطيات الإعلامية التي عملت على عرض هذا الكتاب، وتقديمه للقراء وتعريفهم به، وهي التي تناولته بالبحث والدراسة والتحليل منذ صدوره في عام 2009م، وقد تنوعت عناوين هذه المقالات والدراسات فجاءت منوهة بأهمية العناية والاهتمام بالأدب الفارسي، وضرورة ترجمته إلى اللغة العربية، ومشيدة بالترجمة وواصفة إياها بالترجمة القيمة والراقية، ومادحة لمجلة عالم المعرفة، وإذا كان لنا أن نذكر بعض النماذج على هذه العناوين فإننا نشير إلى بعضها:" أطوار الأدب الفارسي ورموزه في كتاب بالعربية"(14)، و"سقوط وصعود الشعر الفارسي"(15)، و"تاريخ الأدب الفارسي في متناول القارئ العربي: ترجمة قيمة لعالم المعرفة لكتاب محمد رضا شفيعي كدكني"(16)، و"كتاب يعرف بالأدب الفارسي عبر الحقب التاريخية للفرس"(17)، و"تاريخ الأدب الفارسي: تعريف غير الناطقين بالفارسية بكنوزها اللغوية"(18)، و"الأدب الفارسي: غزل وتصوف وصور شعرية نابضة بالخيال"(19)، و"الأدب الفارسي وضرورات التواصل والمعرفة"20)،.... وبدا واضحاً أن هذه المقالات والدراسات التي شكلت في النهاية ردود الفعل على هذه الترجمة كانت كلها إيجابية ومنوهة بأهمية هذا الكتاب ومؤلفه ومترجمه، وقد زاد عددها على أربعين ما بين مقالة وعرض وخبر باللغتين العربية والفارسية، وشكلت حافزاً للمترجم للإقدام على ترجمة آثار أخرى من الأدب الفارسي المعاصر-الذي هو محط اهتمام صاحب هذه المقالة -سوف ترى النور بمشيئة الله قريباً.

       ضرورة ترجمة الأدب الفارسي

    كانت مقالة الباحث المغربي عزيز العرباوي ضمن المقالات المستفيضة والقيمة التي كتبت في هذا المضمار، والتي عنون لها بـ " كتاب الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى يومنا: هل ينبغي أن نترجم الأدب الإيراني"(22) وقد لاقت اهتماماّ كبيراً، وتمّ نشرها في صحيفة القدس العربي التي تصدر في لندن، بالإضافة إلى العديد من المواقع الالكترونية، وهي المقالة التي تمّ فيها التأكيد على ضرورة  ترجمة الأدب الفارسي إلى اللغة العربية، وأهمية التقارب بين الحضارتين العربية والفارسية، وقد قدّم صاحبها عرضاً شيقاً للكتاب مفتتحاً مقالته بقوله:"هل نحن في حاجة إلى الإطلاع على ما ينتج من أدب وفكر في إيران؟ أم أن هذه الحاجة تصطدم بالعديد من العراقيل أهمها الصراع المذهبي والعرقي بين العرب والفرس منذ زمان ليس بالقصير؟ وهل يوجد بالأدب الفارسي ما يمكنه أن يعرفنا أكثر على حياة هذا المجتمع وثقافته وطريقة تفكيره وممارساته الحياتية والاجتماعية؟ أم أن كل هذه الإدعاءات باطلة لا أساس لها، بحكم أن صراعاً مذهبياً وعرقياً صار هو الغالب على العلاقة التي تربطنا بهم؟ لقد أصبح من الواجب على المثقف العربي اليوم والمترجم خاصة أن يسبر أغوار هذا الأدب الراقي والرفيع، الذي يضم العديد من المبدعين الكبار الذين تركوا بصماتهم الأدبية والفكرية كتراث فارسي يصل إلى حدود العالمية لما فيه من إبداعية متميزة وساحرة.... فضرورة ترجمة الأدب الفارسي عموماً تحتّم علينا اليوم البحث عن نوادر هذا الأدب، وتقديمه إلى قراء العربية لتقريب الهوة التي توجد بين الشعوب العربية والشعب الإيراني.... ولذلك فكل مبادرة إلى ترجمة الأدب الفارسي ترجمة مستوفية الشروط هي مبادرة تستحق التنويه والتشجيع المتواصل.... يعتبر كتاب 'الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا' كتاباً شاملاً ويمثّل بالفعل إحاطة شاملة لشعراء ومبدعين فارسيين منذ عصر الجامي إلى يومنا هذا، وتمكن من خلاله مؤلفه من تحديد كل الاتجاهات الأدبية - شعرياً وسردياً ومسرحياً- التي كان يمثلها كل مبدع من المبدعين الفرس، انطلاقا من العصر التيموري الذي تميز بالألغاز والتصنع والتكرار في الأدب الشعري إلى يومنا"(23)، ومن الجدير بالذكر أن هذه المقالة كانت أكثر المقالات التي عرضت للكتاب من حيث تداولها على الشبكة العنكبوتية، وقد نشرت تحت عناوين متعددة منها: "الأدب الفارسي والحاجة إلى الترجمة من خلال كتاب الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى يومنا" (24)، و"حاجة الأدب الفارسي إلى الترجمة".(25)

 التفاعل الحضاري والمثاقفة الأدبية

    عمل الأكاديمي الأردني الدكتور عباس عبد الحليم عباس على تناول هذا الكتاب بالبحث والنقد، من خلال العرض الذي أعده حول الكتاب، ونشره في الملحق الثقافي لجريدة الدستور الأردنية، والذي جاء تحت عنوان ”الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا"(26)، فقد بدأ عرضه للكتاب متسائلاً عن حدود معرفتنا بالأدب الفارسي، ومتفقاً مع ما ذهب إليه عزيز العرباوي في مقالته؛ فها هو يقول: "ماذا نعرف عن أدب فارس؟ سؤال ربما تكون إجابته محدودة، مع أنّ التفاعل الحضاري، والتثاقف الأدبي بين الحضارتين: العربية، والفارسية أوسع مدى من أي إجابة نتوقعها.... وإذا كانت ملامح الأدب الفارسي في عصوره القديمة قد باتت إرثاً ماضياً وتاريخاً ثابتاً، فإن هذا الأدب في مطلع نهضته، أي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، أو ما أسماه المؤلف بـ "مرحلة الإبداع وبسط التجربة"، يدعو الباحث إلى المزيد من التمعن في محاولات التجديد والتطوير التي لحقت بأدب فارس في هذه المرحلة، ويجد القارئ أنّ عدد الشعراء الشباب، الذين كانوا قد سئموا من الشعر القديم وشكله ووزنه ازداد شيئاً فشيئاً في عام 1948م وفي السنوات التي تلته، وأصبح تأثير نيما يوشيج أكثر انتشاراً، وانتشرت ترجمة الأشعار الأوروبية (الفرنسية، والروسية، والإنجليزية)، وظهرت مقالات عن حدود نطاق إصلاح الشعر أيضاً، مع معلومات أفضل وحرية أكبر.(27)

      واللافت للنظر أننا نجد بعض الباحثين يعرض هذا الكتاب معتمداً على مقدمة المترجم وما ذكره المؤلف بشكل مباشر؛ إذ إنه يقتطف فقرات مطولة من الكتاب ومن الأمثلة على ذلك :" إنّ أول تيار ظهر في الشعر الفارسي الجديد، من بعد ظهور شعر نيما، هو ذلك الذي يجب اعتباره نوعاً من الرومانسية، والشخصيات البارزة في هذا النوع من الشعر هم: برويز خانلري، وفريدون توللي، وكلجين الكيلاني، ونادر نادر بور، وكان لهؤلاء نظرية خاصة في باب عناصر الشعر، ولعله يمكن مشاهدة زبدتها في مقدمة فريدون توللي لأول مجموعة من أشعاره، وهي بعنوان "رها" أي "الخلاص" (طهران )1951، فقد هاجم توللي- في هذه المقدمة شديدة اللهجة- أنصار التقليد الكلاسيكي، والأسلوب القديم، وانتقد- بأسلوب مقنع وفكاهي- الصور النمطية لأشعارهم، وألفاظهم المكررة والقديمة، وابتعادهم عن الموسيقى أيضاً، وإذا اعتبرنا هذه المقدمة البيان الشعري للرومانسيين فإنه ليس بعيداً عن الحقيقة أنّ المبادئ والقواعد التي يطرحها للشعر الجديد (والتي قبلها هو نفسه، والمشاطرون له في أفكاره التي استعملوها في أشعارهم، إلى حد معين) هي: التناسب الدقيق للأوزان والحالات الشعرية، وجدة المضامين والتشبيهات والاستعارات، وعدم تقييد المتكلم باستعمال المحسنات اللفظية، والامتناع عن الإخلال بوزن الشعر، ولو بوقفة بسيطة، والابتعاد عن استخدام القوافي والردائف الصعبة، وإيجاد التراكيب الجديدة وذات الإيقاع الجيد، والاستفادة من الكلمات الحية التي نسيت، ومعرفة أفضل الكلمات، وانتخابها، والامتناع عن الحشو في البحور.(28)

    ومما يؤكد هذا ما ذكره صاحب هذه المقالة في حديثه عن انتعاش الشعر الفارسي بعد الحرب العالمية الثانية، إذ إنه اتكأ على ما جاء في الكتاب مقتبساً كثيراً من فقراته كقوله:" انتعش الشعر الفارسي، كما يقرر المؤلف، وجرى الدم في عروقه  مرة أخرى، في حدود عام 1969م، وما تلاه، وكان ذلك بسبب التغييرات التي ظهرت في الأوضاع، والمحيط الاجتماعي للتقدميين، ورواد الأدب الإيراني؛ فقد تبدلت الرؤية القديمة  من اليأس والانهزامية إلى الأمل والرجاء، وسرى "الدم" و"الشقائق" و"الغابة" و"طائر الطوقان" في الفضاء الوسن والمخدر للشعر الفارسي، وأعطاه حياة جديدة، كما كان هنالك بضعة من الشعراء الشباب ينشدون مثل هذه الأشعار، فانعكست في أشعارهم الروح الجديدة للأوضاع الاجتماعية، وإن كانت غير صريحة تماماً".(29)

سقوط الشعر الفارسي وصعوده       

    أما الدراسة التي كتبها الباحث السوري ياسين رفايعة والتي نشرت في غير موقع وجاءت موسومة بـ" الأدب الفارسي حتى اليوم: الشعر أنموذجاً"(30)، فقد شاطر فيها ما ذكره الباحث المغربي عزيز العرباوي والأكاديمي الأردني عباس عبد الحليم عباس حول ضرورة الإطلاع على آداب وثقافات الشعوب الأخرى، وأكد أهمية العلاقة الوطيدة التي تربط بين الثقافتين العربية والفارسية، وضرورة التوجه إلى هذا الأدب وترجمته إلى اللغة العربية، لسدّ النقص الذي يعاني منه العالم العربي من حيث عدم إطلاعه على الثقافة الفارسية وآدابها، ومما جاء في مقالته: "الاطلاع على آداب الآخرين جزء من الثقافة العامة، يستحصلها المرء من متابعة إنتاجات الشعوب الأخرى، صحيح أن الآداب العربية وتراثها كافية لذخيرة ثقافية كبرى، لكن هذا لا يكفي، وقد عملت سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية على التعريف بثقافات الشعوب في دراسات ذات قيمة معرفية، فلم تدخر جهداً إلا وقدمته للقارئ العربي،.... ومن هذه الكتب الهامة التي صدرت في هذه السلسلة الكبيرة كتاب بعنوان "الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا".... وهو الكتاب الأول الذي يترجم للمؤلف إلى اللغة العربية، وهو، بقراءته، نكتشف أنه كتاب قيم وفريد من نوعه على الرغم من صغر حجمه، ولأنه موجّه إلى الناطقين بغير الفارسية، فقد جاء مختصراً ومكثفاً، وشاملاً مدة زمنية طويلة تمتد من القرن الرابع عشر وحتى القرن العشرين الميلاديين، وهو يغني عن كثير من الكتب الأخرى.... ويشير الكاتب إلى أن الشعر الفارسي، وكذلك النثر، قد مرّ بعد عصر حافظ الشيرازي بمراحل مختلفة، وقد تناولت هذه الدراسة الشعر والنثر الفارسي بالنقد والتحليل، كلاً على حدة، واعتماداً على حقيقة أن النثر الفارسي لم يكن له بريق خاص باستثناء عصرنا الراهن؛ إذ ارتكب أولئك الذين سموا عبد الرحمن الجامي خاتم الشعراء وآخر حلقة في سلسلة الشعر الفارسي خطأ فادحاً، ولعل من الصواب استعمال مثل هذه العبارة لحافظ الشيرازي، لأنه لم يظهر أي شاعر بعده يمكن أن يكون في مستواه أو في مستوى أقرانه من مثل: الفردوسي وعمر الخيام وجلال الدين الرومي، ومن البديهي أنه كان لدينا شعراء كثيرون أعظم من عبد الرحمن الجامي، وأياً كان المعيار الذي نستعمله فإنّ صائب التبريزي أهم بكثير من عبد الرحمن الجامي، كما أن محمد تقي بهار في عصرنا، وربما بعض الشعراء المعاصرين أيضاً ليسوا أقل شأناً من هذا الشاعر أبداً".31)

  إن الملاحظة التي جلبت عناية النقاد الذين اهتموا بهذا الكتاب، وعملوا على الكتابة عنه  وتقّديمه للقارىء العربي هي التي تتعلق بحديث الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد عن خصوصيات الشعر المعاصر، وهي الملاحظة التي لفتت نظر بعض النقاد وجعلتهم يشيرون إليها في ثنايا عرضهم للكتاب؛ ومن بينهم ياسين رفايعة الذي استشهد بما ذكره المؤلف حول هذه القضية فقال: "التيار المهم الذي برز في الشعر الفارسي الجديد بعد الرومانسية- وما زال مهماً حتى الآن- هو النهضة التي انبثقت من داخل شعر نيما، وهذا النوع من الشعر يمكن تسميته بنوع من الرمزية الاجتماعية، وأفضل شعرائه هم: أحمد شاملو، ومهدي أخوان ثالث، وفروغ فرخزاد، وسهراب السبهري، وبضعة شعراء آخرين، ولعل من الأفضل أن نعتبر حديث الشاعرة  فروغ فرخزاد التي كتبت عام 1960، وبعد عشر سنوات من نشر بيان الرومانسيين (مقدمة رها لفريدون توللي) خلاصة رأي جميع هؤلاء الشعراء (على الرغم من أن جميع هؤلاء الشعراء لم يكونوا متفقين مع فروغ في بعض الموضوعات) فقد انتقدت فروغ فرخزاد وضع الشعر الرومانسي (الذي كانت مشغولة به لبضع سنين) في تلك السنة وكتبت:

أولاً: يخشى شعر اليوم تسمية الأشياء والأماكن التي تشغلنا صباح مساء.

ثانياً: شعر اليوم ليس عميقاً من حيث المحتوى، إذ يتلاعب الشاعر بكلمات وتصاوير طفولية، والصور الشعرية لشعره تشبه المرأة الحسناء التي فارقت الحياة والتي إذا فتحوا جفونها لن تعبر عن أي فكرة.

ثالثاً: إن العشق في هذا الشعر سطحي بشكل كامل ويلخص بالعلاقات الأكثر سطحية وبالرغبات الجنسية.

رابعاً: اندثار الملحمة من شعر اليوم.

خامساً: لغة هذا الشعر مزيفة، إذ إن الكلمات التي لها معان متشابهة في موضوع عمومي تتنحى جانباً لمصلحة الكلمات الأخرى، التي تعد أكثر جمالاً وأفضل إيقاعاً، فشاعر اليوم يهتم بجمال الكلمة وليس بمفهومها.

سادساً: يحتاج الشعر الفارسي إلى بعض الألفاظ الجديدة، ويجب أن يجد الجرأة على إدراجها في إشعاره، وقد استعمل هذه المبادئ نيما يوشيج، وفروغ فرخزاد، وأحمد شاملو، وإلى حد ما مهدي أخوان ثالث في أشعارهم، كما أنها وجدت طريقها إلى أشعار الآخرين، وهكذا كانت هذه البيانات وهذا النوع من الشعر هي التي دقت ناقوس موت الشعر الرومانسي.(32)

 أسرار الشعر وكنوز الأدب الفارسي

    كما نشرت صحيفة الثورة السورية مقالة تحت عنوان"أسرار الشعر"(33) تناولت فيها هذه الترجمة بالنقد والتحليل؛ فقد بادرت إلى الإشادة بكتاب "الأدب الفارسي" باعتباره الأكثر قيمة من بين كتب الدراسات المترجمة عن اللغة الفارسية، وأشارت إلى قدرة مؤلفه على قراءة النصوص التاريخية والمعاصرة، والآراء الجديدة والطازجة فيه، والجرأة في طرح الآراء الجديدة الخارجة عن المسلمات حول الشعر وتطوره وأعلامه وأضافت :"هذا هو الكتاب الأول للدكتور شفيعي كدكني المترجم للغة العربية، وبلا شك يمكن القول فيه: إنه الكتاب الأكثر قيمة بين كتب الدراسات المترجمة عن اللغة الفارسية، لقد تناول المؤلف مجموعة كبيرة من الشعراء في عصور شتى، وتناول أيضاً الأدباء الذين كتبوا النثر، وكانت الآراء الجديدة والطازجة فيه تعبر عن مدى أهمية هذا الأدب العملاق، وتبين في الوقت نفسه قدرة المؤلف على قراءة النصوص التاريخية والمعاصرة، جاء كتاب"الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا" إرشيفياً وناقداً في الوقت نفسه، فقد غطى مرحلة زمنية تمتد منذ القرن الرابع عشر وحتى القرن العشرين، وهذا الوقت الطويل نسبياً لم يكن تحت المجهر العربي، ونادراً ما وجدنا الدراسات التي تناولته بالنقد والتحليل.... هناك جرأة في طرح آراء جديدة خارجة عن المسلمات حول الشعر وتطوره وأعلامه، وخصوصاً تلك التي تقول إن عصوراً معينة من تاريخ فارس لم يكن فيها شعراء كبار، حيث توقف الشعر العظيم في مرحلة معينة".(34)

  ومن الجدير بالذكر أيضاً أن هذه الصحيفة نشرت مقالة أخرى حول هذا الكتاب عنونت لها بـ"الأدب الفارسي في دراسة جديدة: الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني يخرج كنوز الأدب الفارسي"(35)، وقد عملت هذه المقالة على التذكير بقلة الترجمات الفارسية في العالم العربي، وأشارت إلى معرفتنا المحدودة بالأدب الفارسي التي تكاد تقتصر على المشهورين من الشعراء الفرس، ونوهت بأهمية هذه الترجمة في جبرها لهذا النقص قائلة:" قليلة هي الترجمات عن الفارسية إذا ما قورنت بباقي اللغات التي تحظى بترجمات عربية، لذا تكاد معرفتنا بالأدب الفارسي وكتّابه وشعرائه تكون محدودة ومقتصرة على المشهورين منهم وذائعي الصيت كالخيام صاحب الرباعيات، والفردوسي و(شاهنامته) الشهيرة و(الشيرازيين الثلاثة) وهم سعدي الشيرازي الناثر الإيراني الكبير، وحافظ الشيرازي أعظم شعراء العرفان في الأدب الفارسي، وصدر الدين المعروف بالملا صاحب النظرية الجوهرية في الفلسفة ومن أكبر الفلاسفة في إيران،.... أسماء كثيرة لشعراء وروائيين وكتّاب قصة ومسرحيين على جانب كبير من الأهمية تعرفنا عليها في أول كتاب مترجم إلى العربية للدكتور محمد رضا شفيعي كدكني....الذي يتوقف عند كل مرحلة من مراحل الشعر في الأدب الفارسي ليبين خصائصها ويبرز جوانب قوتها وضعفها ويعرّف أساليبها بدءاً من العصر التيموري أو كما سماه عصر الألغاز والتصنع والتكرار، وفيه يشير إلى أن الذين سموا عبد الرحمن الجامي خاتم الشعراء وآخر حلقة في سلسلة الشعر الفارسي كانوا مجافين للحقيقة، وكان الأجدى أن يحظى بذلك اللقب شاعر مثل حافظ الشيرازي...."(36)

ترجمة قيمة لعالم المعرفة

    كما أقدمت صحيفة العرب القطرية على نشر مقالة موسومة بـ "عالم المعرفة تترجم الأدب الفارسي"(37)، عملت من خلالها على التعريف بهذا الكتاب وتقدّيمه للقراء، فقد أشارت هذه المقالة إلى أهمية الترجمة ودورها في تجسير الهوة بين الثقافتين العربية والفارسية، ورتق ما فتق من التواصل المعرفي العربي الفارسي، وأكدت ضرورة الـتركيز على هذا التواصل من خلال الترجمة  وما تضطلع به من مهمة عظيمة، من حيث التواصل وتهيئة فرص الحوار بين الحضارات المتعددة، ومما جاء فيها:"خيمت القطيعة لوقت طويل على العلاقة بين الثقافتين الشقيقتين: العربية والفارسية، ونتيجة لذلك بقي أبناؤهما في أسر جهل متبادل أفرز شرخاً معرفياً بين الطرفين تجاوز البعد الزمني إلى بعد نفسي إنساني عميق، هذه الحقيقة ضاعفت من مسؤولية المتخصصين في الدراسات العربية الفارسية، خاصة في مجال الترجمة الذي أخذ على عاتقه الجزء الأكبر من مهمة تجسير الهوة بين الضفتين، وفي هذا الإطار يمكن فهم مبادرات الترجمة من اللغة الفارسية إلى العربية، تلك التي أغنت مكتبة الضاد في السنوات الأخيرة، وحاولت من زوايا مختلفة رتق ما فتق من التواصل المعرفي العربي الفارسي، ومنها الكتاب الذي نفتحه اليوم، أي «الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا»، لصاحبه أستاذ الأدب الفارسي بالجامعات الإيرانية الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني، ومترجمه أستاذ الأدب الفارسي بجامعة اليرموك الأردنية الدكتور بسام ربابعة، والذي أصدره المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت ضمن سلسلة عالم المعرفة، وقد اختار بسام ربابعة تاريخ الأدب الفارسي مجالاً ليكشف من خلاله عناصر ثقافية أساسية، لا محالة ستفيد القارئ العربي في معرفة عدة إشارات تتصل بالتاريخ الثقافي والسياسي والاجتماعي الإيراني بين القرنين الرابع عشر والعشرين الميلاديين؛ لأن تاريخ الأدب هو البؤرة الحية التي تستطيع جمع عدد كبير من التقاطعات الإنسانية".(38)

  ترجمة راقية

      كما نشرت صحيفة الرأي الأردنية مقالة معنونة ـبـ:" الأدب الفارسي"(39)  تناولت فيها هذه الترجمة، ووصفتها بالترجمة الراقية، وطالبت مترجم الكتاب بمواصلة جهوده في الترجمة عن الثقافة الفارسية لإثراء المكتبة العربية، وأكدت أهمية التقريب بين الثقافتين العربية والفارسية، وبين الأدبين العربي والفارسي، كما أشارت إلى المقارنة بين ما تعرضا له في العصور السابقة، والتشابهات والمشتركات والظروف التاريخية المشتركة لكلا الأدبين، مؤكدة:" أن الأدب الفارسي مضى بموازاة الأدب العربي طيلة مئات السنين فكانت فترة نهوض الأدبين وتراجعهما مترابطة، وفي بعض المراحل التاريخية متضادة، فينهض الأدب العربي ويتراجع الفارسي والعكس، وفي كلا الوضعين ثمة دلالة مهمة حول التقارب بين الثقافتين العربية والفارسية، وهما الثقافتان المركزيتان في إطار الثقافة الإسلامية، وهذا الكتاب الذي تقدمه سلسلة عالم المعرفة هو إطلالة على الأدب الفارسي بعد انطواء فترة ازدهاره الكبيرة التي شهدت شعراء مثل حافظ الشيرازي، وجلال الدين الرومي، وفريد الدين العطار.... 

  أما العصر الصفوي فيوصف بعصر الأسلوب الهندي وبموازاة حركة "التتريك" التي واجهها الأدب العربي، وصولاً إلى العصر القاجاري، وهو عصر العودة والتكرار للشعر الفارسي التقليدي الكبير، بموازاة النهضة الشعرية العربية التي حركها محمود سامي البارودي، كما يلقي الكتاب أيضاً -خارج موضوعه- في التأريخ الأدبي بالكثير من الملامح على تطور الحياة الإيرانية وتوجهات الإيرانيين في ظل السلطة السائدة، التي كانت منفصلة -كما في الحالة العربية- عن العمق الشعبي، وبالتالي أثرت بصورة سلبية في تطور الإبداع الفكري والفني في هذه المراحل، وحولته إلى مجرد منجز سياسي منفصل عن سياقه التاريخي، مؤلف الكتاب هو ناقد وشاعر إيراني كبير، والمترجم هو الدكتور بسام ربابعة الذي يقدّم ترجمة راقية عن الفارسية مباشرة وليس عن لغة وسيطة، تجعله مطالباً بمواصلة جهود الترجمة عن الثقافة الفارسية لإثراء المكتبة العربية"(40)، وأخيراً وعلى الرغم من الجهد الذي قدّمه بعض النقاد في التعريف بالكتاب وأهميته، إلا أن بعض هذه المقالات كتبت على عجل واستحياء، فجاء بعضها بلغة ركيكة وضعيفة، وعلى أي حال وإذا ما غضضنا الطرف عن هذا فقد ساهمت هذه المقالات بالتعريف بالكتاب وتركت ردود فعل مختلفة لدى القراء، وهي التي تجلت من خلال التعليقات التي كتبت في المنتديات الأدبية والثقافية، والتي عكست وجهات نظر القراء المتعددة، وقد شكلت في النهاية نوعاً من الحوار بين الحضارات.

 الخلاصة والنتيجة

      أضحت الترجمة والنقل عن اللغات الأخرى مطلباً حضارياً وفكرياً وثقافياً لا يمكن الاستغناء عنه، فالترجمة لبنة أساسية في حوار الحضارات، هدفها محاولة الخروج من جدران العزلة الأدبية والثقافية، وتعظيم فرص الحوار وتهيئة إرهاصاته، وتعزيز المثاقفة بين الأمم والشعوب ذات المشارب المختلفة؛ إذ إن تنمية الحوار الثقافي بين الأنا والآخر وظيفة من الوظائف التي تقع على عاتق الترجمة، ومن هنا يتجلى الدور الذي تضطلع به الترجمة من حيث التعريف بالآخر، والتواصل مع الثقافات الأخرى، والانطلاق في فضاءات رحبة، بدلاً من التقوقع على الذات، والانطواء على النفس، وبناء على هذا فمن المؤكد أن ترجمة الأدب الفارسي إلى اللغة العربية تعرفنا على المجتمع الإيراني؛ من حيث الإطلاع على ثقافته وحضارته وعاداته وتقاليده، وتقدّم لنا صورة تساعدنا في فهم هذا المجتمع، وإدراك طريقة تفكيره ونظرته للحياة.

      إذا كان الأدب الفارسي قد شهد في العصر الحديث تهميشاً وغياباً لدى المحافل الثقافية والأدبية في العالم العربي؛ فإن هذا الكتاب موضوع الدراسة يعد استجابة ضرورية للتعريف بالأدب الفارسي الذي يمثل شريكاً للأدب العربي، وقد أدى تغييبه إلى خسارة ثقافية؛ فالتقارب والتجاور العربي الفارسي أوجد تراثاً كبيراً ومهماً لا يجوز إهماله، وفي هذا الإطار فإن كتاب الأدب الفارسي الموجّه إلى الناطقين بغير الفارسية يعد أنموذجاً فريداً للترجمة وحوار الحضارات؛ فقد شكلّ ثلاث حلقات متصلة بين الانكليزية والفارسية والعربية في  ظل حوار الحضارات، ولعل اللفتة الجميلة والمتواضعة من المؤلف التي وردت في مقدمة الترجمة الفارسية ما يعزز هذه المسألة؛ فقد أكد المؤلف الدور الذي قام به جورج موريسن أستاذ جامعة إكسفورد في تدوين هذا الكتاب؛ إذ إن النثر الجميل واللغة الأدبية - حسب اعتراف المؤلف- ما هما إلا نتيجة لذوق هذا الأستاذ الذي كان له الفضل في إخراج هذا الكتاب على الصورة الجديرة به في طبعته الانجليزية، وفي الحقيقة فإن هذا التعاون العلمي والأكاديمي بين هذين الأستاذين الجليلين ما هو إلا حوار بين الحضارات، يهدف إلى غرض سام وراق، ألا وهو نقل المعرفة وتبادلها بين أبناء اللغات المختلفة، ولا ننسى الدور الذي قام به كل من المترجم الفارسي والمترجم الحالي في هذا المضمار؛ فقد تركت ترجمة هذا الكتاب أصداء طيبة وردود فعل مرحبة في العالم العربي، إذ دللت على تعطش القارئ العربي بشكل عام والمثقف بشكل خاص إلى ضرورة العناية بالأدب الفارسي وترجمته إلى اللغة العربية، وأكدت مدى حاجتنا للإطلاع على هذا الأدب الذي ظل مغيباً عنا لسنين طويلة، ولذلك فقد حظي هذا الكتاب الذي يبحر في الأدب الفارسي منذ القرن الرابع عشر وحتى القرن العشرين بالعناية والاهتمام من قبل النقاد والأكاديميين العرب الذين بادروا إلى قراءته، من ثمّ عرضه وتعريف القراء به من خلال مقالات متنوعة ومختلفة، وفي النهاية فقد أضحى من المصادر التي أغنت المكتبة العربية، ومن المراجع التي يعود إليها الباحثون والمهتمون بالأدب الفارسي، للاستفادة منه في أبحاثهم ومقالاتهم ودراساتهم.

الهوامش والتعليقات

(1) Persian Literature From The Time Of Jami to the Present Day, Shafi,i  Kadkani, Stanford University press, 1995.

(2) ادبیات فارسی از عصر جامی تا روزگار ما، محمد رضا شفيعي كدكني، ترجمة حجة الله أصيل، نشر ني، طهران، 1995م ( بالفارسية)

(3) الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا، الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني، ترجمة الدكتور بسام ربابعة، سلسلة عالم المعرفة، عدد 368، اكتوبر 2009م. 

(4) الترجمة والمثاقفة العربية الفارسية: كتاب الشعر العربي المعاصر أنموذجاً، الدكتور بسام علي ربابعة، بحث مقدم للمؤتمر الدولي الأردني الثاني لجمعية المترجمين الأردنيين، جامعة البترا الأردنية، 30/11 -2/12/2010م.

(5) القرآن الكريم، سورة الحجرات، الآية 13.

(6) الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا، الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني، ترجمة الدكتور بسام ربابعة، ص 14.

(7) المصدر السابق.

(8) المصدر نفسه، ص 15.

(9) المصدر نفسه، ص 18.

(10)  الأدب الفارسي والحاجة إلى الترجمة من خلال كتاب الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا، عزيز العرباوي، صحيفة القدس العربي، 15\ 1\2010م.

(11) المصدر السابق.

(12) الأدب الفارسي منذ عصر الجامي حتى أيامنا، مصطفى زهران، موقع شريط الالكتروني 16/1/2010.

(13) تم نشر الكتاب موضوع هذه المقالة على مواقع متعددة، ومن أجل الوصول إلى هذا الكتاب يمكن الرجوع إلى الروابط التالية:

(14) أطوار الأدب الفارسي ورموزه في كتاب بالعربية، عبد الهادي صالح، صحيفة الحياة السعودية، 30/11/ 2009م وانظر المقالة على الرابط التالي:

(15)  سقوط وصعود الشعر الفارسي، موقع السياسي الالكتروني، 20/10/2009م.

(16) تاريخ الأدب الفارسي في متناول القارئ العربي: ترجمة قيمة لعالم المعرفة لكتاب محمد رضا شفيعي كدكني، غيث حمور، موقع شام لايف الالكتروني، 10/11/2009م، وانظر المقالة على الرابط التالي: www.shamlife.com/index.php?page=show&select...

(17) كتاب يعرف بالأدب الفارسي عبر الحقب التاريخية للفرس، خضر الآغا، موقع صالون القلم الفلسطيني، 11/4/2009م، وانظر المقالة على الرابط التالي:

 http://www.salon.ps/news.php?maa=View&id=918

(18)  تاريخ الأدب الفارسي: تعريف غير الناطقين بالفارسية بكنوزها اللغوية، عبدالوهاب عيسى، جريدة الدستور المصرية 11/12/2009م،

(19) الأدب الفارسي: غزل وتصوف وصور شعرية نابضة بالخيال،المحرر، موقع اليوم السابع، 18/5/2010م، وانظر المقالة على الرابط التالي:

alyum7.com/articles.php?cat=11&id=210

(20) الأدب الفارسي وضرورات التواصل والمعرفة، إبراهيم غرايبة، جريدة الغد الأردنية، 30/7 /2010م، وانظر المقالة على الرابط التالي:

www.alghad.com/index.php?article=18262

(21) الأدب الفارسي في دراسة جديدة: الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني يخرج كنوز الأدب الفارسي، فادية مصارع، جريدة الثورة السورية، 7/12/2009م، وانظر المقالة على الرابط التالي: http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=48953484720091206222025

 (22)  كتاب الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى يومنا: هل ينبغي أن نترجم الأدب الإيراني، عزيز العرباوي، صحيفة القدس العربي،15/1/2010م، وانظر المقالة على الرابط التالي:

(23) المصدر السابق.

(24) انظر مقالة:"الأدب الفارسي والحاجة إلى الترجمة من خلال كتاب الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى يومنا:، عزيز العرباوي  على الرابط التالي: pulpit.alwatanvoice.com/content-186873.html                                               

(25) انظر مقالة: "حاجة الأدب الفارسي إلى الترجمة"، عزيز العرباوي، على الرابط التالي"

                                 lahodod.blogspot.com/2010/07/blog-post_4618.html 

(26) الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا، عرض: د. عباس عبدالحليم عباس، صحيفة الدستور الأردنية، 10\12\2010م، وانظر المقالة على الرابط التالي:

(27) المصدر السابق، وانظر كتاب الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا، الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني، ترجمة الدكتور بسام ربابعة، ص 116.

(28) المصدر نفسه، وانظر كتاب الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا، الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني، ترجمة الدكتور بسام ربابعة، ص 119.                                          

(29) المصدر نفسه.

(30) الأدب الفارسي حتى اليوم: الشعر أنموذجاً، ياسين رفايعة، صحيفة المستقبل اللبنانية، 20/12/2010م، وانظر المقالة على الرابط التالي:

(31) المصدر السابق.

 (32) المصدر نفسه، وانظر الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا، الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني، ترجمة الدكتور بسام ربابعة، صص 117- 118.

(33) أسرار الشعر، صحيفة الثورة السورية، 17/11/2009م، وانظر المقالة على الرابط التالي:

(34) المصدر السابق.

(35)  الأدب الفارسي في دراسة جديدة: الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني يخرج كنوز الأدب الفارسي، فادية مصارع، جريدة الثورة السورية، 7/12/2009م، وانظر المقالة على الرابط التالي: http://thawra.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=48953484720091206222025

(36) المصدر السابق.

(37) عالم المعرفة تترجم الأدب الفارسي، 5/12/2009م، وانظر المقالة على الرابط التالي:

(38 ) المصدر السابق.

(39) الأدب الفارسي، صحيفة الرأي الأردنية، 1/12/2009م، وانظر المقالة على الرابط التالي:

(40) المصدر السابق.

هناك تعليق واحد:

بسام علي الربابعة يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لمن يسأل عن كتاب
الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا
فهذا رابطه
https://iqra.ahlamontada.com/t3320-topic

الربابعة يترجم كتابين من الأدب الفارسي المعاصر خبر صدور كتاب أنطولوجيا الرواية الفارسية المعاصرة  وكتاب مراحل  الشعر   الفارسي على موقع جامع...